جهنم. قال أبو حيان : والسين للاستقبال، وإن تراخى الزمان، وهو وعيد كائن إنجازه لا محالة، وإن تراخى وقته (١).
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ أي وتصلى امرأته أيضا نارا ذات لهب، وهي أم جميل، أروى بنت حرب، أخت أبي سفيان، كانت تحمل الشوك والغضى، وتطرحه بالليل على طريق النبي - ﷺ -. وقيل : المراد أنها كانت تمشي بالنميمة، فيقال للمشاء بالنمائم، المفسد بين الناس : يحمل الحطب بينهم، أي يوقد بينهم النائرة، ويورّث الشر، وهذا رأي الكثيرين.
قال أبو حيان : والظاهر أنها كانت تحمل الحطب، أي ما فيه شوك، لتؤذي بإلقائه في طريق الرسول - ﷺ - وأصحابه، لتعقرهم، فذمت بذلك، وسميت حمالة الحطب.
فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ أي في عنقها حبل مفتول من الليف، من مسد النار، أي مما مسّد من حبالها أي فتل من سلاسل النار. وقد صورها اللَّه في حالة العذاب بنار جهنم بصورة حالتها في الدنيا عند النميمة، وحينما كانت تحمل حزمة الشوك وتربطها في جيدها، ثم تلقيها في طريق النبي - ﷺ - لأن كل مجرم يعذب بما يجانس حاله في جرمه. وقيل : صورها اللَّه في الدنيا بصورة حطّابة ممتهنة احتقارا لها، وإيذاء لها ولزوجها.
ولما سمعت أم جميل هذه السورة أتت أبا بكر، وهو مع رسول اللَّه - ﷺ - في المسجد، وبيدها فهر (حجر) فقالت : بلغني أن صاحبك هجاني، ولأفعلنّ وأفعلنّ، وأعمى اللَّه تعالى بصرها عن رسول اللَّه - ﷺ -، فروي أن أبا بكر رضي اللَّه تعالى عنه قال لها : هل تري معي أحدا ؟ فقالت : أتهزأ بي ؟ لا أرى غيرك (٢).
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ إِلَى وَامْرَأَتُهُ حَمَالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ قَالَ : فَقِيلَ لِامْرَأَةِ أَبِي لَهَبٍ : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ هَجَاكِ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَلَأِ فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ عَلَى مَا تَهْجُونِي ؟ قَالَ : فَقَالَ :" إِنِّي وَاللَّهِ مَا هَجَوْتُكِ مَا هَجَاكِ إِلَّا اللَّهُ " قَالَ : فَقَالَتْ : هَلْ رَأَيْتَنِي أَحْمِلُ حَطَبًا أَوْ رَأَيْتَ فِيَ جِيدِي حَبْلًا مِنْ مَسَدٍ ؟ ثُمَّ انْطَلَقَتْ، فَمَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - أَيَّامًا لَا يُنَزَّلُ عَلَيْهِ فَأَتَتْهُ فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ مَا أَرَى صَاحِبَكَ إِلَّا قَدْ وَدَّعَكَ وَقَلَاكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى " " (٣)
ومضات :
(٢) - البحر المحيط : ٨/ ٥٢٦ وما بعدها، تفسير ابن كثير : ٤/ ٥٦٤ وما بعدها.
(٣) - الْمُسْتَدْرَكُ عَلَى الصَّحِيحَيْنِ لِلْحَاكِمِ (٣٩٠٦ ) وقال : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ كَمَا حَدَّثَنَاهُ هَذَا الشَّيْخُ إِلَّا أَنِّي وَجَدْتُ لَهُ عِلَّةً "