وقوله تعالى :« وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ ».. معطوف على فاعل « سيصلى » أي سيصلى هو نارا ذات لهب، وستصلى امرأته معه هذا النار، ذات اللّهب..
وقوله تعالى :« حَمَّالَةَ الْحَطَبِ » منصوب على الذّم، بفعل محذوف قصد به التخصيص للصفة الغالبة عليها، وتقديره : أعنى، أو أقصد.. حمالة الحطب.
و« حَمَّالَةَ الْحَطَبِ » أي حمالة الفتنة، التي تؤجج بها نار العداوة، وتسعى بها بين الناس، لتثير النفوس على النبي، وتهيج عداوة المشركين له.. فقد كانت امرأة أبى لهب ـ واسمها أم جميل بنت حرب، أخت أبى سفيان ـ كانت أشدّ نساء قريش عداوة للنبى، وسلاطة لسان، وسوء قالة فيه، كما كان ذلك شأن زوجها أبى لهب من بين مشركى قريش كلهم.. وهكذا تتآلف النفوس الخبيثة، وتنزاوج، وتتوافق، وتتجاذب! وقيل حمالة الحطب : أي حمالة الذنوب، التي أشبه بالحطب الذي يتخذ وقودا، والذي يتعرض لأية شرارة تعلق به فتأنى على كل ما اتصل من أثاث وغيره، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ » (٣١ : الأنعام).
وانظر إلى الإعجاز القرآنى فى وصف امرأة أبى لهب، وسعيها بالفتنة، وإغراء الصدور على النبي ـ بأنها حمالة الحطب.. فهذا الحطب الذي تحمله، مع مجاورته للهب الذي هو كيان زوجها كله، لا بد أن يشتعل يوما، وقد كان.. فأصبح الرجل وزوجه وقودا لنار جهنم..
وانظر مرة أخرى إلى هذا الإعجاز فى التفرقة بين « أبى لهب » وحمالة الحطب.. إنه هو الذي أوقد فيها هذه النار، بما تطاير من شرره إلى هذا الحطب الذي تحمله، وهو الذي أوقع بها هذا البلاء.. إنها كانت تحمل حطبا، وحسب.. وهذا الحطب ـ وإن كان من وقود النار ـ إلا أنه قد يسلم منها، لو لم يخالطها، ويعلق بها.. وأما وقد خالطها « أبو لهب » فلا بد أن تشتعل، وتحترق! وقوله تعالى :« فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ».
الجيد : العنق، والجيد من محاسن المرأة، وسمى جيدا من الجودة، وفيه تضع المرأة أجمل ما تنزين به من حلى وجواهر.. والمسد : الليف، أو ما يشبهه، مما تتخذ منه الحبال..
وفى تعليق هذا الحبل فى جيد أم جميل، تصوير بليغ معجز لشناعة هذه المرأة، وفى تشويه خلقها.. فما أبشع « جيد » امرأة كان من شأنه أن يتحلى بعقد من كريم الجواهر، يشدّ إليه حبل من ليف.. إنه إهانة لعزيز، وإذلال لكريم.. وإن الإهانة للعزيز، والإذلال للكريم، لأقتل للنفس، وأنكى للقلب، من إهانة المهين، وإذلال الذليل! فكلمة « جيد » هنا مقصودة لذاتها، إنه يراد بها ما لا يراد بلفظ رقبة، أو عنق.. إنها تنزل امرأة من عقائل قريش، ومن بيوتاتها المعدودة فيها، لتلقى بها فى عرض الطريق، وهى تحمل على ظهرها حزم الحطب، وتشدها إلى جيدها بحبل من ليف!! ولهذا فزعت المرأة، وولولت حين سمعت هذا الوصف


الصفحة التالية
Icon