وهكذا تتردد فى صدورهم الخواطر المزعجة، والوساوس المفزعة.
قوله تعالى :« قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ ».. أي عندئذ، وبعد أن يعاين المشركون أمارات الساعة، وهم فى هذه الدنيا، وبعد أن يتبين لهم أن أمر البعث جدّ لا هزل، وأنه لا شكّ واقع ـ عندئذ « قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ » أي رجعة قد خسرنا فيها أنفسنا، إذ لم نكن نتوقعها، ولم نعمل لها حسابا..
قوله تعالى :« فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ، فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ».« هى » ضمير الشأن، أي فإنما الحال والشأن زجرة واحدة، أي صيحة واحدة، أو نفخة واحدة.. « فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ » أي فإذا هم على ظهر الأرض.. والساهرة : الأرض، وسميت ساهرة، لأنه لا نوم للناس يومئذ فيها، بل هم فى سهر دائم، بعد مبعثهم من نومهم فى القبور.. (١)
﴿ والنازعات غرقاً. والناشطات نشطاً. والسابحات سبحاً. فالسابقات سبقاً. فالمدبرات أمراً ﴾. قيل في تفسير هذه الكلمات : إنها الملائكة نازعات للأرواح نزعاً شديداً. ناشطات منطلقات في حركاتها. سابحات في العوالم العليا سابقات للإيمان أو للطاعة لأمر ربها مدبرات ما يوكل من الأمور إليها..
وقيل : إنها النجوم تنزع في مداراتها وتتحرك وتنشط منتقلة من منزل إلى منزل. وتسبح سبحاً في فضاء الله وهي معلقة به. وتسبق سبقاً في جريانها ودورانها. وتدبر من النتائج والظواهر ما وكله الله إليها مما يؤثر في حياة الأرض ومن عليها.
وقيل : النازعات والناشطات والسابحات والسابقات هي النجوم. والمدبرات هي الملائكة.
وقيل : النازعات والناشطات والسابحات هي النجوم. والسابقات والمدبرات هي الملائكة..
وأياً ما كانت مدلولاتها فنحن نحس من الحياة في الجو القرآني أن إيرادها على هذا النحو، ينشئ أولاً وقبل كل شيء هزة في الحس، وتوجساً في الشعور، وتوفزاً وتوقعاً لشيء يهول ويروع. ومن ثم فهي تشارك في المطلع مشاركة قوية في إعداد الحس لتلقي ما يروع ويهول من أمر الراجفة والرادفة والطامة الكبرى في النهاية!
وتمشياً مع هذا الإحساس نؤثر أن ندعها هكذا بدون زيادة في تفصيل مدلولاتها ومناقشتها؛ لنعيش في ظلال القرآن بموحياته وإيحاءاته على طبيعتها. فهزة القلب وإيقاظه هدف في ذاته، يتحراه الخطاب القرآني بوسائل شتى.. ثم إن لنا في عمر بن الخطاب رضي الله عنه أسوة. وقد قرأ سورة :﴿ عبس وتولى ﴾ حتى جاء إلى قوله تعالى :﴿ وفاكهة وأبَّا ﴾ فقال :« فقد عرفنا الفاكهة. فما الأبّ؟ ثم استدرك قائلاً : لعمرك يا بن الخطاب إن هذا لهو التكلف! وما