عليك ألا تعرف لفظاً في كتاب الله؟! »... وفي رواية أنه قال : كل هذا قد عرفنا فما الأبَّ؟ ثم رفض عصا كانت بيده أي كسرها غضباً على نفسه وقال :« هذا لعمر الله التكلف! وما عليك يا بن أم عمر أن لا تدري ما الأب ».
ثم قال :« اتبعوا ما تبين لكم من هذا الكتاب، وما لا، فدعوه ».. فهذه كلمات تنبعث عن الأدب أمام كلمات الله العظيمة. أدب العبد أمام كلمات الرب. التي قد يكون بقاؤها مغلفة هدفاً في ذاته، يؤدي غرضاً بذاته.
هذا المطلع جاء في صيغة القسم، على أمر تصوره الآيات التالية في السورة :﴿ يوم ترجف الراجفة. تتبعها الرادفة. قلوب يومئذ واجفة. أبصارها خاشعة. يقولون : أإنا لمردودون في الحافرة؟ أإذا كنا عظاماً نخرة؟ قالوا : تلك إذا كرة خاسرة!.. فإنما هي زجرة واحدة. فإذا هم بالساهرة ﴾..
والراجفة ورد أنها الأرض استناداً إلى قوله تعالى في سورة أخرى :﴿ يوم ترجف الأرض والجبال ﴾ والرادفة : ورد أنها السماء أي أنها تردف الأرض وتتبعها في الانقلاب حيث تنشق وتتناثر كواكبها..
كذلك ورد أن الراجفة هي الصيحة الأولى، التي ترجف لها الأرض والجبال والأحياء جميعاً، ويصعق لها من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله. والرادفة هي النفخة الثانية التي يصحون عليها ويحشرون ( كما جاء في سورة الزمر آية ٦٨ )..
وسواء كانت هذه أم تلك. فقد أحس القلب البشري بالزلزلة والرجفة والهول والاضطراب؛ واهتز هزة الخوف والوجل والرعب والارتعاش. وتهيأ لإدراك ما يصيب القلوب يومئذ من الفزع الذي لا ثبات معه ولا قرار. وأدرك وأحس حقيقة قوله :﴿ قلوب يومئذ واجفة. أبصارها خاشعة ﴾..
فهي شديدة الاضطراب، بادية الذل، يجتمع عليها الخوف والانكسار، والرجفة، والانهيار. وهذا هو الذي يقع يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة؛ وهذا هو الذي يتناوله القسم بالنازعات غرقاً والناشطات نشطاً، والسابحات سبحاً، والسابقات سبقاً، فالمدبرات أمراً. وهو مشهد يتفق في ظله وإيقاعه مع ذلك المطلع.
ثم يمضي السياق يتحدث عن وهلتهم وانبهارهم حين يقومون من قبورهم في ذهول :﴿ يقولون : أإنَّا لمردودون في الحافرة؟ أإذا كنا عظاماً نخرة؟ ﴾..
فهم يتساءلون : أنحن مردودون إلى الحياة عائدون في طريقنا الأولى.. يقال : رجع في حافرته : أي في طريقه التي جاء منها. فهم في وهلتهم وذهولهم يسألون : إن كانوا راجعين