وقوله تعالى :« إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى » أي إن فى هذا الحديث، وفى الأحداث التي يعرضها القرآن، لعبرة وعظة، لمن كان له عقل يرى به مصير أهل السوء والضلال، فيخشى على نفسه مثل هذا المصير، فيباعد بينها وبين السوء والضلال. (١)
ثم يهدأ الإيقاع شيئاً ما، في الجولة القادمة، ليناسب جو القصص، وهو يعرض ما كان بين موسى وفرعون، وما انتهى إليه هذا الطاغية عندما طغى :﴿ هل أتاك حديث موسى. إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى. اذهب إلى فرعون إنه طغى. ؟ فقل : هل لك إلى أن تَزَكَّى؟ وأهديك إلى ربك فتخشى؟ فأراه الآية الكبرى. فكذب وعصى، ثم أدبر يسعى. فحشر فنادى. فقال : أنا ربكم الأعلى. فأخذه الله نكال الآخرة والأولى.. إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ﴾..
وقصة موسى هي أكثر القصص وروداً وأكثرها تفصيلاً في القرآن.. وقد وردت من قبل في سور كثيرة. وردت منها حلقات منوعة. ووردت في أساليب شتى. كل منها تناسب سياق السورة التي وردت فيها؛ وتشارك في أداء الغرض البارز في السياق. على طريقة القرآن في إيراد القصص وسرده.
وهنا ترد هذه القصة مختصرة سريعة المشاهد منذ أن نودي موسى بالوادي المقدس، إلى أخذ فرعون.. أخذه في الدنيا ثم في الآخرة.. فتلتقي بموضوع السورة الأصيل، وهو حقيقة الآخرة. وهذا المدى الطويل من القصة يرد هنا في آيات معدودات قصار سريعة، ليناسب طبيعة السورة وإيقاعها.
وتتضمن هذه الآيات القصار السريعة عدة حلقات ومشاهد من القصة..
وهي تبدأ بتوجيه الخطاب إلى الرسول - ﷺ - :﴿ هل أتاك حديث موسى؟ ﴾.. وهو استفهام للتمهيد وإعداد النفس والأذن لتلقي القصة وتمليها..
ثم تأخذ في عرض الحديث كما تسمى القصة. وهو إيحاء بواقعيتها فهي حديث جرى. فتبدأ بمشهد المناداة والمناجاة :﴿ إذ ناداه ربه بالوادي المقدس طوى ﴾.. وطوى اسم الوادي على الأرجح. وهو بجانب الطور الأيمن بالنسبة للقادم من مدين في شمال الحجاز.
ولحظة النداء لحظة رهيبة جليلة. وهي لحظة كذلك عجيبة. ونداء الله بذاته سبحانه لعبد من عباده أمر هائل. أهول مما تملك الألفاظ البشرية أن تعبر. وهي سر من أسرار الألوهية العظيمة، كما هي سر من أسرار التكوين الإنساني التي أودعها الله هذا الكائن، وهيأه بها لتلقي ذلك النداء. وهذا أقصى ما نملك أن نقوله في هذا المقام، الذي لا يملك الإدراك البشري أن يحيط منه بشيء؛ فيقف على إطاره، حتى يكشف الله له عنه فيتذوقه بشعوره.