اتساقا. مع ما في أذهانهم من ذلك واللّه أعلم بسبيل التنبيه على كون اللّه تعالى قد أحسن كل شيء خلقه وإيجاب الإيمان به والاتجاه إليه وحده وشكره على ما يتمتعون به من أفضاله. وإذا صحّ الحديث النبويّ فيكون في ذلك حكمة سامية. ولعلّ من هذه الحكمة ما جاء في آخره من تعظيم التصدّق خفية على المستحقين. (١)
تجىء هذه الآيات، بعد هذا العرض الذي عرضت فيه الآيات السابقة ـ فى إيجاز ـ قصة موسى وفرعون، وما لقى فرعون من خزى وبلاء فى الدنيا، وما أعد له فى الآخرة من عذاب أشد خزيا، وآلم وقعا من كل عذاب ـ تجىء هذه الآيات، لتلقى المشركين، بقوة اللّه سبحانه وتعالى، وليرى المشركون كيف تجليات هذه القدرة، وكيف آثارها، وأنهم ليسوا أربابا، كما ظن فرعون فى نفسه أنه ربّ، وربّ أعلى..
قوله تعالى :« أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها، رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها » ؟
أي ما قوتكم أنتم أيها المشركون مع قوة اللّه ؟ وأين قوتكم من قوة بعض مخلوقات اللّه ؟
أأنتم أشد خلقا وقوة أم السماء ؟
فمن بنى هذه السماء ؟ ومن أقامها سقفا مرفوعا فوقكم ؟
اللّه بناها، واللّه رفع سمكها، أي قامتها، واللّه سواها، على هذا النظام البديع، وما تتزيّن به من كواكب ونجوم.
وقوله تعالى :«وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها » واللّه ـ سبحانه ـ هو الذي أغطش، أي أظلم ليلها، أي ليل هذه السماء، وفى إضافة الليل إلى السماء، إشارة إلى أن الليل إنما يرى كونا معتما، مطبقا على الأرض.. فهو ليل السماء، التي أطفئ سراجها، وهو الشمس.. واللّه ـ سبحانه ـ هو الذي أخرج ضحى هذه السماء، وأضاء سراجها، وأوقده، بعد أن أخرجه من عالم الظلام.
والإشارة إلى الضحى، من بين أوقات النهار، إلفات إلى الوقت الذي يمتد فيه نور الشمس، فيغمر الآفاق كلها.. وهو ما يسّمى رائعة النهار.
قوله تعالى :« وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها. أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها. وَالْجِبالَ أَرْساها. مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ ». أي واللّه سبحانه، هو الذي دحا الأرض، وبسطها، بعد أن رفع السماء وسواها..
وهو سبحانه الذي أخرج من هذه الأرض الماء الذي فيه حياة كل حى..
وبهذا الماء أخرج اللّه المرعى، أي ما يأكله الناس والأنعام..