وقال الخطيب :" جاء فى سورة « عبس » عرض ليوم القيامة، وللعذاب الشديد الذي يحيط بالكافرين، حتى ليفر الكافر من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه..
وقد جاءت سورة « التكوير » بعدها، عارضة المشاهد التي تسبق هذا اليوم، لتخرح بالمشركين وراء دائرة العذاب قليلا، ليلقوا نظرة على الحياة الدنيا، التي كانوا فيها، والتي يودون الفرار إليها..
فهل إذا أتيحت لهم فرصة الفرار من هذا العذاب، وعادوا إلى الدنيا، أيصلحون ما أفسدوا من حياتهم ؟ أيؤمنون بهذا اليوم، وما يلقى الكافرون فيه ؟ وإنهم لفى هذا اليوم فعلا، إنهم لم يبرحوا هذه الدنيا بعد.. فماذا هم فاعلون ؟.. هذا سؤال ستكشف الأيام عن الجواب الذي يعطيه هؤلاء المشركون عنه.. " (١)
ما اشتملت عليه السورة :
* سورة التكوير من السور المكية، وهي تعالج حقيقتين هامتين هما :(حقيقة القيامة) وحقيقة (الوحي والرسالة) وكلاهما من لوازم الإيمان وأركانه.
* ابتدات السورة الكريمة ببيان القيامة، وما يصاحبها من انقلاب كوني هائل، يشمل الشمس والنجوم، والجبال، والبحار، والأرض، والسماء، والأنعام، والوحوش، كما يشمل البشر ويهز الكون هزا عنيفا طويلا، ينتثر فيه كل ما في الوجود، ولا يبقى شيء إلا قد تبدل وتغير من هول ما يحدث في ذلك اليوم الرهيب [ إذا الشمس كورت، وإذا النجوم انكدرت، وإذا الجبال سيرت، وإذا العشار عطلت، وإذا الوحوش حشرت، وإذا البحار سجرت ] الآيات.
* ثم تناولت (حقيقة الوحي ) وصفة النبي الذي يتلقاه، ثم شأن القوم المخاطبين بهذا الوحي، والرسول الذي نزل لينقلهم من ظلمات الشرك والضلال، إلى نور العلم والإيمان [ فلا أقسم بالخنس، الجوار الكنس، والليل إذا عسعس، والصبح إذا تنفس، إنه لقول رسول كريم ] الآيات.
* وختمت السورة الكريمة ببيان بطلان مزاعم المشركين، حول القرآن العظيم، وذكرت أنه موعظة من الله تعالى لعباده [ فأين تذهبون، إن هو إلا ذكر للعالمين، لمن شاء منكم أن يستقيم [ وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين. (٢).
مقصودها التهديد الشديد بيوم الوعيد الذي هو محط الرحال، لكونه أعظم مقام لظهور الجلال، لمن طذب بأن هذا القرآن تذكرة لمن ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة، والدلالة على حقية كونه كذلك بأن السفير به أمين في الملأ الأعلى مكين المكانف فيما هنالك

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٤٦٦)
(٢) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٤٦٢)


الصفحة التالية
Icon