عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ جواب إذا وما عطف عليها، أي إذا حصل كل ما تقدم من الأحداث، ووقعت هذه الأمور، علمت كل نفس ما أحضرته عند نشر الصحف، وما عملت من خير أو شر، كما قال تعالى : يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً، وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً [آل عمران ٣/ ٣٠] وقال سبحانه : يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ [القيامة ٧٥/ ١٣]. والآيات من أول السورة إلى هنا شرط، وجوابه : عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ. وقال الحسن البصري : هذا قسم وجواب له. قال القرطبي : والقول الأول أصح.
ومضات :
وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } يعني البنات التي كانت طوائف العرب يقتلونهن، قال السيد المرتضى في " أماليه " : الموءودة هي المقتولة صغيرة، وكانت العرب في الجاهلية تئد البنات، بأن يدفنوهنَّ أحياء، وهو قوله تعالى ﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ﴾ [ النحل : ٥٩ ]، وقوله تعالى ﴿ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [ الأنعام : ١٤٠ ]، ويقال أنهم كانوا يفعلون ذلك لأمرين : أحدهما أنهم كانوا يقتلونهن خشية الإملاق. قال الله تعالى ﴿ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ ﴾ [ الأنعام : ١٥١ ]. قال المرتضى : وجدت أبا علي الجبائيّ وغيرَه يقول : إنما قيل لها : موءودة ؛ لأنها ثقلت بالتراب الذي طرح عليها حتى ماتت، وفي هذا بعض النظر ؛ لأنهم يقولون من الموءودة وَأَدَ يَئِدُ وَأْداً، والفاعل وائِد، والفاعلة وائِدة، ومن الثقل يقولون : آدَني الشيء يؤودني، إذا أثقلني، أَوْداً. انتهى.
وإنما قال : بعض النظر ؛ لأن القلب معهود في اللغة، فلا يبعد أن يكون وأد مقلوباً من آد. وقال المرتضى : فإن سأل سائل : كيف يصح أن يسأل من لا ذنب له ولا عقل، فأي فائدة في سؤالها عن ذلك، وما وجه الحكمة فيه ؟ والجواب من وجهين :
أحدهما : أن يكون المراد أن قاتلها طولب بالحجة في قتلها، وسئل عن قتله لها بأي ذنب كان، على سبيل التوبيخ والتعنيف وإقامة الحجة. فالقتَلة هاهنا هم المسؤولون على الحقيقة، لا المقتولة، وإنما المقتولة مسؤول عنها. ويجري هذا مجرى قولهم : سألت حقي، أي : طالبت به ومثله، على تعالى :﴿ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ﴾ [ الإسراء : ٣٤ ] أي : مطالَباً به مسؤولاً عنه.
والوجه الآخر أن يكون السؤال توجه إليها على الحقيقة، على سبيل التوبيخ له، والتقريع له، والتنبيه له، على أنه لا حجة له في قتلها. ويجري هذا مجرى قوله تعالى لعيسى عليه السلام:
﴿ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِن دُونِ اللّهِ ﴾ [ المائدة : ١١٦ ] على طريق التوبيخ لقومه، وإقامة الحجة عليهم. فإن قيل على هذا الوجه : كيف يخاطب ويسأل من لا عقل له ولا فهم ؟ فالجواب أن في الناس من زعم أن الغرض بهذا القول، إذا كان تبكيت الفاعل