وتهجينه وإدخال الغم عليه في ذلك الوقت على سبيل العقاب، لم يمتنع أن يقع، وإن لم يكن من الموءودة فهم له ؛ لأن الخطاب، وإن علق عليها وتوجه إليها، والغرض في الحقيقة به غيرها، قالوا : وهذا يجري مجرى من ضرب ظالم طفلاً من ولده فأقبل على ولده يقول له : ُضربتَ ما ذنبك وبأي شيء استحلَّ هذا منك ؟ فغرضه تبكيت الظالم لا خطاب الطفل. والأولى أن يقال في هذا : أن الأطفال، وإن كانوا من جهة العقول لا يجب في وصولهم إلى الأغراض المستحقة، أن يكونوا كاملي العقول، كما يجب مثل ذلك في الوصول إلى الثواب، فإن كان الخير متظاهراً والأمَّة متفقة على أنهم في الآخرة وعند دخولهم الجنان يكونون على أكمل الهيئات وأفضل الأحوال، وأن عقولهم تكون كاملة، فعلى هذا يحسن توجه الخطاب إلى الموءودة ؛ لأنها تكون في تلك الحال ممن تفهم الخطاب وتعقله. وإن كان الغرض منه التبكيت للقاتل وإقامة الحجة عليه. انتهى.
قال الشهاب : والتبكيت قرره الطيبيّ، بأن المجنيّ عليه إذا سئل بمحضر الجاني ونسبت له الجناية دون الجاني، بعث ذلك الجاني على التفكّر في حاله وحال المجني عليه. فيرى براءة ساحته وأنه هو المستحق للعقاب والعذاب. وهذا استدراج على طريق التعريض، وهو أبلغ من التصريح. والمراد بالاستدراج سلوك طريق توصيل إلى المطلوب بسؤال غير المذنب ونسبة الذنب له ؛ حتى يبين من صدر عنه ذلك، كما سئل عيسى دون الكفَرة، وهو فنٌّ من البديع بديع. انتهى.
وقال الزمخشريّ : وإنما قيل :﴿ قُتِلَتْ ﴾ بناءً على أن الكلام إخبار عنها.
تنبيه :
قال السيوطي في " الإكليل " : في الآية تعظيم شأن الوأد، وهو دفن الأولاد أحياءً. وأخرج مسلم أنه - ﷺ - سئل عن العزل فقال :< الوأد الخفيّ. وهي : إذا الموءودة سئلت >. انتهى.
وقد روى عبد الرزاق عن عمر بن الخطاب في هذه الآية قال : جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله - ﷺ - فقال : يا رسول الله ! إني وأدت بنات لي في الجاهلية. قال :< أعتق عن كل واحدة منهن رقبة >. قال : يا رسول الله ! إني صاحب إبل. قال :< فانحر عن كل واحدة منهن بَدنَةَ >.
وروى الدارمي في أوائل مسنده عَنِ الْوَضِينِ : أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ وَعِبَادَةِ أَوْثَانٍ، فَكُنَّا نَقْتُلُ الأَوْلاَدَ، وَكَانَتْ عِنْدِى بِنْتٌ لِى، فَلَمَّا أَجَابَتْ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ، وَكَانَتْ مَسْرُورَةً بِدُعَائِى إِذَا دَعَوْتُهَا، فَدَعَوْتُهَا يَوْماً فَاتَّبَعَتْنِى، فَمَرَرْتُ حَتَّى أَتَيْتُ بِئْراً مِنْ أَهْلِى غَيْرَ بَعِيدٍ، فَأَخَذْتُ بِيَدِهَا فَرَدَّيْتُ بِهَا فِى الْبِئْرِ، وَكَانَ آخِرَ عَهْدِى بِهَا أَنْ تَقُولَ : يَا أَبَتَاهُ يَا أَبَتَاهُ. فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَتَّى وَكَفَ دَمْعُ


الصفحة التالية
Icon