عَيْنَيْهِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : أَحْزَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ :« كُفَّ، فَإِنَّهُ يَسْأَلُ عَمَّا أَهَمَّهُ ». ثُمَّ قَالَ لَهُ :« أَعِدْ عَلَىَّ حَدِيثَكَ ». فَأَعَادَهُ، فَبَكَى حَتَّى وَكَفَ الدَّمْعُ مِنْ عَيْنَيْهِ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُ :« إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَضَعَ عَنِ الْجَاهِلِيَّةِ مَا عَمِلُوا، فَاسْتَأْنِفْ عَمَلَكَ ». (١).
وكان للعرب تفنن في الوأد، فمنهم من إذا صارت ابنته سداسية يقول لأمها : طيّبيها وزيِّنيها حتى أذهب بها إلى أحمائها - وقد حفر لها بئراً في الصحراء - فيبلغ بها البئر فيقول لها : انظري فيها، ثم يدفعها من خلفها ويُهيل عليها التراب حتى تستوي البئر بالأرض.
ومنهم من كان إذا قربت امرأته من الوضع، حفر حفرة لتتمخّض على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإن ولدت ابناً حبسته. وقد اشتهر صعصعة بن ناجية بن عقال - جد الفرزدق بن غالب - بأنه كان ممن فدى الموءودات في الجاهلية، ونهى عن قتلهن، قيل : إنه أحيا ألف موءودة، وقيل دون ذلك ؛ وقد افتخر الفرزدق بهذا في قوله :
~ومنا الذي منع الوائداتِ وأحيا الوئيدَ فَلَمْ يُوأَدِ
وفي قوله أيضاً :
~أنا ابنُ عِقالٍ وابن ليلى وغالبِ وفَكَّاكُ أغلال الأسير المكفَّرِ
~وكان لنا شيخانِ ذو القبر منهما وشيخٌ أجار الناسَ من كل مَقْبَرِ
~على حينِ لا تُحْيَى البناتُ وإذ همُ عُكُوف على الأصنام حولَ المدوَّرِ
~أنا ابن الذي ردّ المنيةَ فضلُهُ وما حسبٌ دافعتُ عنهُ بِمُعْوِرِ
~أَبي أَحَدُ الغَيْثَيْنَ صعصعةُ الذي متى تُخْلِفِ الجوزاءُ والنجمُ يُمْطِرِ
~أجارَ بناتِ الوائدين ومن يُجِرْ على القبر، يعلمْ أنه غير مُخْفِرِ
~وفارق ليلٍ من نساء أتت أبى تُعالج ريحاً ليلها غير مُقْمِرِ
~فقالت أجر لي ما ولدتُ فإنني أتيتك من هَزْلى الحمولة مُقْتِرِ
~رأى الأرض منها راحة فرمى بها إلى خُدَدٍ منها وفي شر مَحْفَرِ
~فقال لها نامي فأنت بذمتي لبنتك جارٌ من أبيها القَنَوَّرِ
وروى أبو عبيدة : أن صعصعة هذا وفد على رسول الله - ﷺ - في وفد بني تميم. قال : وكان صعصعة منع الوأد في الجاهلية، فلم يدع تميماً تئدُ وهو يقدر على ذلك، فجاء الإسلام وقد فدى في بعض الروايات أربعمائة موءودة، وفي أخرى ثلاثمائة، فقال للنبي - ﷺ - : بأبي أنت وأمي ! أوصني. فقال :< أوصيك بأمك وأبيك، وأختك وأخيك، وأدانيك أدانيك >، فقال : زدني. فقال عليه الصلاة والسلام :< احفظ ما بين لحييك ورجليك >. ثم قال عليه الصلاة

(١) - سنن الدارمى- المكنز - (٢) حسن مرسل


الصفحة التالية
Icon