[الانفطار/ ١] وإِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ» [الانشقاق/ ١]» «٢» ومطلع السورتين الثانية والثالثة المذكورتين في الحديث مشابه لمطلع هذه السورة في وصف مشاهد القيامة وأهوالها. وما ذكر من الانقلاب الذي يطرأ على نواميس الكون هو على ما يتبادر وبالإضافة إلى حقيقته الإيمانية ودخوله في نطاق قدرة اللّه بسبيل تصوير هول يوم القيامة وأثره في مشاهد الكون العظيمة التي تملأ الأذهان استهدافا لإثارة خوف السامعين وحملهم على الارعواء. وليس من طائل في التخمين والتزيّد في مظاهر هذا الانقلاب وماهياته المادية. وليس ذلك من أغراض القرآن على ما شرحناه في مناسبة سابقة «١».
وعادة دفن البنات أحياء وكراهة ولادتهن من صور حياة العرب قبل البعثة وعاداتهم. وقد ذكر هذا في أكثر من موضع في القرآن، ومن ذلك في آيات النحل هذه : وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٥٩) [٥٨ - ٥٩].
وأسلوب الآية هنا أسلوب تنديد بهذه العادة وإنذار بشدة عقوبتها عند اللّه لما فيها من قسوة بالغة وجرأة على إزهاق روح بريئة. وتخصيص وأد البنات بالذكر لا يعني بطبيعة الحال أن هذا هو وحده الذي يسأل الناس عنه. وإنما يمكن أن يلمح منه قصد تشديد النكير على هذه العادة القاسية البشعة التي كان الذين يمارسونها يظنون أنه ليس عليهم فيها حرج ولا إثم.
وبمناسبة آية وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ نقول إن هذا المعنى قد تكرر بأساليب متنوعة في القرآن. وقد ذكر في بعض الآيات أن للّه على الناس مراقبين يكتبون ما يفعلونه. وأن ما يكتبونه هو صحف أعمال الناس التي تنشر يوم القيامة وتوزع على أصحابها، وتعطى للناجين بأيمانهم وللخاسرين بشمالهم. ومما جاء في القرآن في هذا آية سورة الزخرف هذه : أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠) وآيات سورة ق هذه : إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ (١٧) ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (١٨) وآيات سورة الجاثية هذه : وَتَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) هذا كِتابُنا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٩) ومنها آيات سورة الحاقة التي أوردناها في سياق تفسير سورة المدثر.
ولما كان اللّه عز وجل غنيا عن كل ذلك لا يعزب عنه شيء فالذي يتبادر من الحكمة الربانية لما ذكرته الآيات أنه بسبيل الإنذار والترهيب والوعيد بأسلوب من الأساليب التي اعتادها الناس في الدنيا من تسجيل الأحداث وإبراز التسجيلات في مقام الإثبات والإفحام. ولقد نبهنا قبل إلى ما اقتضته حكمة التنزيل من وصف المشاهد الأخروية بأوصاف مستمدة من مألوفات الحياة


الصفحة التالية
Icon