الدنيا في التعليق على الحياة الأخروية في سورة الفاتحة. وهذا من ذاك، هذا مع تقرير وجوب الإيمان بما ذكرته الآيات كحقيقة إيمانية غيبية، وبأنه في نطاق قدرة اللّه تعالى وحكمته. (١)
قوله تعالى :« إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ... » تكوير الشمس : ظهورها كالكرة فى أعين الناس يومئذ أي يوم القيامة، حيث يشرف عليها الإنسان من عل فيراها من جميع وجوهها، لا من وجه واحد، كما تبد ولنا الآن وكأنها قرص مسطّح.
وانكدار النجوم : انطفاء بريقها، حيث أن بريق هذا الضوء الذي نراه منها، إنما هو بسبب الغلاف الهوائى المحيط بالأرض.. فإذا جاوز الإنسان الغلاف الهوائى للأرض بدت النجوم كرات لا معة معلقة فى القضاء، لا يشع منها ضوء..
وتعطيل العشار، وهى النوق الحوامل، هو إلقاء ما فى بطونها من أجنة، ثم عدم تعرضها للحمل، حيث يصرفها الهول عن الاستجابة لداعى الغريزة الطبيعية فيها..
يقول الإمام القرطبي :« إن تعطيل العشار تمثيل لشدة الكرب، وإلا فلا عشار ولا تعطيل »..
ونقول : إن هذا وإن كشف عن حال الشدة والكرب فى هذا الوقت، فإنه لا يمنع من أن تكون هناك العشار، وأن يكون تعطيلها عن الحمل..
فهذا خبر جاء به القرآن، ولا بد أن يقع على ما جاء به.
وحشر الوحوش : هو جمع بعضها إلى بعض، وسوقها إلى أكنانها، حيث يدفعها البلاء إلى الفرار، وطلب النجاة مما تراه من أحداث القيامة، فترتدّ عن مسارحها مسرعة إلى حيث ما تظن عنده الاختفاء من الخطر المحدق بها، فتجىء من كل وجه، ويلوذ بعضها ببعض، حيث يذهب الهول بكل ما فيها من نوازع الشر والعدوان.
أما ما يقال من حشر الوحوش بمعنى بعثها، وسوقها إلى الحساب والجزاء، كما يفعل بالناس، فذلك ما لا يقوم عليه دليل من كتاب اللّه، حيث أن الدنيا هى دار ابتلاء وتكليف للإنسان وحده من بين سائر المخلوقات التي على الأرض، وأن هذه البهائم لم تكلف بشىء، ولم تدع ألى شىء، وإنما هى مما خلق اللّه سبحانه للإنسان، لينتفع بها، أو ليبتلى بالضار منها، كما فى النبات أو الجماد من نافع وضار..
ويقول الإمام محمد عبده :« وحشر الوحوش، إما جمعها لاستيلاء الرعب عليها، وخروجها من أجحارها وأوكارها، ونسيانها ما كانت تخافه، فتفر منه.. فتحشر هائمة، لا يخشى بعضها بعضا، ولا يخشى جميعها سطوة الإنسان.. وقيل حشر الوحوش هلاكها.. » قوله تعالى :« وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ ».