حسابا عسيرا، ويدعون من شدة ما بهم قائلين : ووا ثبوراه، وا هلاكاه وسيصلون سعيرا ويقاسون حر جهنم الشديد القاسي، فإيتاء الكتاب باليمين أو بالشمال. أو من وراء الظهر تمثيل وتصوير لحالة المطلع على أعماله المستبشر المبتهج بها، أو لحالة المبتئس العبوس الحزين بسببها : والعرب تستعير جهة اليمين للخير وجهة اليسار للشر.
وما سبب عذاب هؤلاء ؟ إنه كان في أهله، أى : في الدنيا فرحا مسرورا فرح بطر أو أشر، ولما كان فيه من ترف وحب للشهوة، واستمتاع باللذة، والذي دفعه إلى هذا كله ظنه أنه لن يرجع إلى ربه للحساب، فيحسب ما اقترفته يداه، بل سيرجع إلى ربه فيحاسبه حسابا كاملا، إن ربه كان به بصيرا، وعليما خبيرا، ومقتضى علمه بالمخلوق علما كاملا : أنه لا يتركه سدى، بل يجازى المحسن على إحسانه، والمسيء على إساءته إذ مقتضى العلم الكامل بالخلق، والعدل التام في الحكم أن اللّه لا يترك الخلق بلا حساب وثواب وجزاء، إذ تركهم لا ينشأ إلا من أحد أمرين : إما لأنه لا يعرف حالهم - وحاشا للّه أن يكون كذلك - وهو الذي خلقهم، وإما لأنه غير عادل في حكمه وهو مستحيل عليه، فظهر من هذا حسن وجلال قوله تعالى : بلى - نعم سيرجع إلى ربه للحساب - إن ربه كان به بصيرا. (١)
التفسير والبيان :
يخبر اللَّه تعالى عن أهوال يوم القيامة وأماراتها بقوله : إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ، وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ أي إذا تشققت السماء وتصدعت مؤذنة بخراب العالم، وانشقاقها من علامات القيامة، وأطاعت ربها وانقادت له فيما أمر، وحق لها أن تطيع أمره وتنقاد وتسمع لأنه العظيم القاهر الذي لا يمانع ولا يغالب، بل قد قهر كل شيء، وخضع له كل شي ء.
وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ، وَأَلْقَتْ ما فِيها وَتَخَلَّتْ أي وإذا الأرض بسطت وسوّيت ووسّعت بزوال جبالها وآكامها. ونسفها حتى صارت قاعا صفصفا.
ولفظت وأخرجت ما فيها من الأموات والكنوز، وطرحتهم إلى ظهرها، وخلت خلوا تاما عما فيها، وتخلت إلى اللَّه وتبرأت من كل من فيها، ومن أعمالهم.
ونظير الآية : وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْجِبالِ، فَقُلْ : يَنْسِفُها رَبِّي نَسْفاً، فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً، لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً [طه ٢٠/ ١٠٥- ١٠٧].
وَأَذِنَتْ لِرَبِّها وَحُقَّتْ أي استمعت وأطاعت أوامر ربها، وحق لها أن تتخلى وتستمع لما يريد ربها أن يأمرها به لأنها واقعة في قبضة القدرة الإلهية.