١- إِنَّهُ كانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُوراً أي إنه كان في الدنيا فرحا لا يفكر في العواقب، ولا يخاف مما أمامه، وإنما يتبع هواه، ويركب شهواته، بطرا أشرا لعدم خطور الآخرة بباله، فأعقبه ذلك الفرح اليسير حزنا طويلا.
٢- إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ أي إن سبب ذلك السرور والبطر ظنه بأنه لا يرجع إلى اللّه، ولا يبعث للحساب والعقاب، ولا يعاد بعد الموت.
ثم رد اللّه عليه ظنه قائلا : بَلى، إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً أي بلى إنه سيحور ويرجع إلى ربه، وسيعيده اللّه كما بدأه، ويجازيه على أعماله خيرها وشرها، فإن اللّه ربه كان به وبأعماله عالما خبيرا، لا يخفى عليه منها شيء أو خافية.
وفي هذا إشارة إلى أنه لا بد من دار للجزاء غير دار التكليف لأن ذلك مقتضى العلم التام والقدرة والحكمة.
ومضات :
في الآيات الخمس الأولى ما يلهم أنها في صدد مشاهد يوم القيامة : فحينما تنشقّ السماء انقيادا لأمر ربها وأداء لما عليها نحوه من حقّ الطاعة، وحينما تنبسط الأرض وتمتد وتنفتح عمّا في باطنها وتقذف به إلى سطحها وتتخلّى عنه انقيادا لأمر ربها كذلك وأداء لما عليها من حقّ الطاعة تكون القيامة قد قامت. وعبارة (تكون القيامة قد قامت) مقدرة تقديرا. والتقدير بديهي لأنه نتيجة طبيعية لما احتوته الآيات الخمس من المشاهد. وهو ما يقرره جمهور المفسرين.
وفي الآيات التالية خطاب للإنسان في صدد مصائر الناس يوم القيامة : فكل إنسان ساع في حياته الدنيا. وكل ساع ملاق عند ربه نتيجة سعيه. فالذي يعطى يوم القيامة كتاب عمله بيمينه يكون حسابه يسيرا هينا ويعود إلى أهله راضيا مسرورا.
والذي يعطى كتاب عمله من وراء ظهره فيتمنى الموت فلا يناله ويندب حظه ويصلى النار المستعرة جزاء ما قدمت يداه لأنه كان في حياته مغرورا بما كان له من قوة ومال وما كان يتمتع به من هدوء البال والنعم غير حاسب لحساب الآخرة لأنه كان موقنا بعدم البعث بعد الموت في حين كانت عين اللّه مراقبة له وبصيرة به ومحصية عليه عمله.
ومطلع السورة من المطالع المألوفة في كثير من السور. وتعبير الانقلاب إلى الأهل مستمد من مألوف الخطاب الدنيوي على ما جرت عليه حكمة التنزيل في وصف المشاهد الأخروية مما مرّت منه أمثلة عديدة. ويلحظ أن كتاب أعمال الكافر الآثم هنا يعطى له من وراء ظهره في


الصفحة التالية
Icon