حين ذكر في سور سابقة أنه يعطى له بشماله. حيث يبدو أن التعبير الجديد مما يقوم في اللغة مقام ذلك التعبير. (١)
وهذه الحياة الأخرى، هى امتداد لحياة الإنسان الأولى على هذه الأرض..
والحياة على أية صورة نعمة من نعم اللّه، وهى على ما تكون عليه، خير من العدم.. ولو كانت الحياة الدنيا هى غاية حياة الإنسان، ثم عاد بعدها إلى العدم لكان شأنه فى هذا شأن أحط الحيوانات، من ديدان وحشرات.. وإرادة اللّه سبحانه وتعالى فى الإنسان أنه مخلوق مكرم مفضل على كثير من المخلوقات..
ومن مقتضى هذا التفضيل والتكريم أن تمتد حياته، وأن يتصل وجوده، وأن ينقل من عالم الأرض إلى عالم السماء!
ولعل هذا هو بعض السر فى إضافة هذا الإنسان ـ على ضلاله ـ إلى ربه.. « إِنَّ رَبَّهُ كانَ بِهِ بَصِيراً »..
فليتحمل الإنسان الضالّ، هذه النار فى سبيل الحياة، وليتطهر من أدرانه بها..
فتلك هى ضريبة الحياة، وإن كانت فادحة على أهل الكفر والضلال، كما كانت الحياة الدنيا ثقيلة على أهل العدل والإحسان..
وأما ما يتمناه الكافر حين يلقى به فى النار من قوله : يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً » (٤٠ : النبأ) فتلك صرخة من صرخات العذاب، إنه ينطق بها، وهو ممسك بالحياة حريص عليها، كما يفعل ذلك كثير من الناس فى الدنيا، حين تشتد بهم خطوبها، فيتمنون الموت.. ولو جاءهم الموت لفرّوا منه، وتشبثوا بحياتهم تلك.. (٢)
وقال القاشانيّ ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ ﴾ أي : إنك ساعٍ مجتهد في الذهاب إليه بالموت، أي : تسير مع أنفاسك سريعاً، كما قيل : أنفاسك خطاك إلى أجَلِك، أو مجتهد مجدٌّ في العمل : خيراً أو شراً، ذاهب إلى ربك فملاقيه ضرورة. قال : والضمير إما للرب وإما للكدح. وأصل الكدح جهد النفس في العمل والكد فيه، حتى يؤثر فيها، من : كدَح جلده، إذا خدشه، فاستعير للجد في العمل وللتعب، بجامع التأثير في ظاهر البشرة. (٣)
وانشقاق السماء سبق الحديث عنه في سور سابقة. أما الجديد هنا فهو استسلام السماء لربها؛ ووقوع الحق عليها، وخضوعها لوقع هذا الحق وطاعتها :﴿ وأذنت لربها وحقت ﴾..

(١) - التفسير الحديث لدروزة - (١ / ٣٣٢١)
(٢) - التفسير القرآني للقرآن، ج ١٦، ص : ١٥٠٦
(٣) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١٣ / ١٨١)


الصفحة التالية
Icon