﴿ يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه ﴾.. يا أيها الإنسان إنك تقطع رحلة حياتك على الأرض كادحاً، تحمل عبئك، وتجهد جهدك، وتشق طريقك.. لتصل في النهاية إلى ربك. فإليه المرجع وإليه المآب. بعد الكد والكدح والجهاد..
يا أيها الإنسان.. إنك كادح حتى في متاعك.. فأنت لا تبلغه في هذه الأرض إلا بجهد وكد. إن لم يكن جهد بدن وكد عمل، فهو جهد تفكير وكد مشاعر. الواجد والمحروم سواء. إنما يختلف نوع الكدح ولون العناء، وحقيقة الكدح هي المستقرة في حياة الإنسان.. ثم النهاية في آخر المطاف إلى الله سواء.
يا أيها الإنسان.. إنك لا تجد الراحة في الأرض أبداً. إنما الراحة هناك. لمن يقدم لها بالطاعة والاستسلام.. التعب واحد في الأرض والكدح واحد وإن اختلف لونه وطعمه أما العاقبة فمختلفة عندما تصل إلى ربك.. فواحد إلى عناء دونه عناء الأرض. وواحد إلى نعيم يمسح على آلام الأرض كأنه لم يكن كدح ولا كد..
يا أيها الإنسان.. الذي امتاز بخصائص « الإنسان ».. ألا فاختر لنفسك ما يليق بهذا الامتياز الذي خصك به الله، اختر لنفسك الراحة من الكدح عندما تلقاه.
ولأن هذه اللمسة الكامنة في هذا النداء، فإنه يصل بها مصائر الكادحين عندما يصلون إلى نهاية الطريق، ويلقون ربهم بعد الكدح والعناء :﴿ وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعو ثبوراً، ويصلى سعيراً. إنه كان في أهله مسروراً. إنه ظن أن لن يحور. بلى إن ربه كان به بصيراً ﴾..
والذي يؤتى كتابه بيمينه هو المرضي السعيد، الذي آمن وأحسن، فرضي الله عنه وكتب له النجاة. وهو يحاسب حساباً يسيراً. فلا يناقش ولا يدقق معه في الحساب. والذي يصور ذلك هو الآثار الواردة عن الرسول - ﷺ - وفيها غناء..
عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله - ﷺ - :« من نوقش الحساب عذب » قالت : قلت : أفليس قال الله تعالى :﴿ فسوف يحاسب حساباً يسيراً ﴾. قال :« ليس ذلك بالحساب، ولكن ذلك العرض. من نوقش الحساب يوم القيامة عذب ».
وعنها كذلك قالت : سمعت رسول الله - ﷺ - يقول في بعض صلاته :« اللهم حاسبني حساباً يسيراً ». فلما انصرف قلت : يا رسول الله، ما الحساب اليسير؟ قال :« أن ينظر في كتابه فيتجاوز له عنه. من نوقش الحساب يا عائشة يومئذ هلك ».
فهذا هو الحساب اليسير الذي يلقاه من يؤتى كتابه بيمينه.. ثم ينجو ﴿ وينقلب إلى أهله مسروراً ﴾.. من الناجين الذين سبقوه إلى الجنة.. وهو تعبير يفيد تجمع المتوافقين على الإيمان والصلاح من أهل الجنة. كل من أحب من أهله وصحبه. ويصور رجعة الناجي من


الصفحة التالية
Icon