وممن أوقع بهم، وأخذهم بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر، ولئن صبرتم أيها المؤمنون على الأذى ليوفينكم أجركم، وليأخذنّ أعداءكم ولينزلنّ بهم ما لا قبل لهم به.
وقد حكى اللّه هذا القصص، ليكون تثبيتا لقلوب المؤمنين، ووعدا لعباده الصالحين، وحملا لهم على الصبر والمجاهدة فى سبيله، ووعيدا للكافرين وأنه سيحلّ بهم مثل ما حل بمن قبلهم. « سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ - فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا، وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا » (١).
أقسم الحق - تبارك وتعالى - بالسماء ذات النجوم التي كانت ضياء وزينة، ورجوما للشياطين، وعلامات يهتدى بها المسافرون، وهي مع ذلك أبنية فخمة عظيمة تدل على قدرة صانعها الحكيم، وقيل المراد بالبروج : منازل الكواكب في السماء التي ينشأ عنها الفصول الأربعة، وما فيها من حرارة وبرودة، والتي ينشأ عنها عدد السنين والحساب، وتفصيل كل شيء في الوجود، وأقسم الحق - تبارك وتعالى - باليوم الموعود الذي وعدنا اللّه به، وهو يوم القيامة، وأقسم كذلك بكل الخلائق والعوالم الشاهد منها والمشهود، فله - سبحانه - في كل شيء دلالة على وحدانيته، فكل شيء شاهد بهذا المعنى، على أن كل شيء في الكون مشهود للناس، والناس مختلفون في الشهادة، أى : الرؤية، أو الفكرة والتأمل.
أقسم الحق - تبارك وتعالى - بهذه الأشياء : لقد ابتلى اللّه المؤمنين والمؤمنات قديما بالعذاب والفتنة والبلاء من أعدائهم الكفار، ولكنهم صبروا على ما أوذوا واحتسبوا ذلك عند اللّه، فكان لهم الأجر الكبير، ولأعدائهم عذاب جهنم ولهم فيها عذاب الحريق، فاصبروا أيها المؤمنون، وسيعوضكم اللّه خيرا، ولقد ضرب اللّه قصة أصحاب الأخدود هنا مثلا، ودليلا على جواب القسم المقدر وهو ابتلاء المؤمنين.
قتل أصحاب الأخدود : أصحاب النار ذات الوقود، النار التي أعدوها ليصلاها المؤمنون الموحدون.
أصحاب الأخدود جماعة من الكفار كانوا في القديم، ويروى أنهم من أمراء اليمن أو زعماء اليهود، وقد غاظهم إيمان المؤمنين المعاصرين لهم، وشق عليهم ذلك، فانتقموا منهم انتقاما شديدا، وشقوا لهم أخدودا في الأرض، أضرموا فيه النيران ذات الوقود الشديد اللهب والدخان وألقوا فيها كل ما يضرمها ويؤججها ثم جاءوا بالمؤمنين وألقوهم في النار ذات الوقود!!
وقد كانوا قساة القلوب غلاظ الأكباد، فجلسوا يضحكون فرحين بإلقاء المؤمنين في النار، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين من كبائر الإثم وفظائع الجرم شهود وحضور! وما فعل هؤلاء