المؤمنون حتى يلقوا في النار ؟ لم يفعلوا شيئا أبدا، وما نقموا، ولا عابوا عليهم إلا أنهم آمنوا باللّه العزيز الحميد! يا سبحان اللّه ما كان سببا في السعادة والخير، يكون سببا في القتل والإحراق والتعذيب بالنيران! ولكن تلك طبيعة البشر قديما وحديثا، وهذا صراع الحق والباطل، وتلك هي البوتقة التي يصهر فيها الإيمان ويصفى.
هؤلاء المؤمنون آمنوا باللّه العزيز الذي لا يعجزه شيء، الحميد في السموات والأرض، وإن كفر به بعض خلقه، الذي له ملك السموات والأرض، وهو على كل شيء شهيد، فهل يترك المؤمنين نهبا للكفار والمشركين يفعلون معهم الأباطيل ويذيقونهم العذاب ألوانا ؟ ! لن يكون هذا أبدا. (١)
التفسير والبيان :
وَالسَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ أي أقسم بالسماء وبروجها وهي النجوم العظام، وأشهر الأقوال أنها منازل الكواكب، وهي اثنا عشر برجا لاثني عشر كوكبا.
وهي التي تقطعها الشمس في سنة، والقمر في ثمانية وعشرين يوما. أقسم اللَّه بها تنويها بها وتعظيما وتشريفا لها، حيث نيط بها تغيرات في الأرض بحلول الكواكب فيها، فينشأ عنها الفصول الأربعة، وما فيها من حرارة وبرودة، وينشأ عنها عدد السنين والحساب.
وجاء ذكر البروج في آيتين أخريين هما : وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ [الحجر ١٥/ ١٦]، وقال تعالى : تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً، وَجَعَلَ فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً [الفرقان ٢٥/ ٦١].
وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشاهِدٍ وَمَشْهُودٍ أي وأقسم بيوم القيامة الموعود به، وبمن يشهد في ذلك اليوم، ومن يشهد عليه. وهذا إن كان ذلك مأخوذا من الشهادة. فإن كان مأخوذا من الحضور بمعنى أن الشاهد هو الحاضر، كقوله : عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ [الزمر ٣٩/ ٤٦]، فالشاهد : الخلائق الحاضرون للحساب، والمشهود عليه : اليوم، كما قال تعالى : ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود ١١/ ١٠٣] فاللَّه يقسم بالخلائق والعوالم الشاهد منها والمشهود، لما في التأمل بها من تقدير عظمة تدل على الموجد.
والخلاصة : أن الشاهد والمشهود إما من الشهود : الحضور، وإما من الشهادة، والصلة محذوفة، أي مشهود عليه أو به.
قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ. النَّارِ ذاتِ الْوَقُودِ هذا جواب القسم، وهو إخبار أو دعاء على هؤلاء الكفار بالإبعاد من رحمة اللَّه تعالى، أي لعن أصحاب الأخدود المشتمل على النار ذات الحطب

(١) - التفسير الواضح، ج ٣، ص : ٨٤٨


الصفحة التالية
Icon