٢- وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى والذي قدر لكل مخلوق ما يصلح له، فهداه إليه، وعرّفه وجه الانتفاع به، أو قدّر أجناس الأشياء، وأنواعها، وصفاتها، وأفعالها، وأقوالها، وآجالها، فهدى كل واحد منها إلى ما يصدر عنه وينبغي له، ويسره لما خلقه له، وألهمه أمور دينه ودنياه، وقدّر أرزاق الخلق وأقواتهم، وهداهم لمعايشهم إن كانوا إنسان، ولمراعيهم إن كانوا وحشا، وخلق المنافع في الأشياء، وهدى الإنسان لوجه استخراجها منه (١).
ونظير الآية كقوله تعالى إخبارا عن موسى أنه قال لفرعون : رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه ٢٠/ ٥٠] أي قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه، كما ثبت في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - يَقُولُ « كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلاَئِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ - قَالَ - وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ ». (٢).
والخلاصة : أن التقدير : عبارة عن التصرف في الأجزاء الجسمية، وتركيبها على وجه خاص لأجله يستعد لقبول تلك القوى.
والهداية : عبارة عن خلق تلك القوى في تلك الأعضاء، بحيث تكون كل قوة مصدرا لفعل معين، ويحصل من مجموعها إتمام المصلحة.
٣- وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى أي والذي أنبت العشب وما ترعاه الدواب من النبات الأخضر، وأنبت جميع أصناف النبات والزروع ليأكلها الإنسان.
ثم جعل ذلك المرعى بعد أن كان أخضر، غثاء أحوى، أي باليا هشيما جافا، أسود بعد اخضراره لأن الكلأ إذا يبس اسودّ.
وبما أن التسبيح الذي أمر به النبي - ﷺ - والذي يليق به هو الذي يرتضيه لنفسه، حرص النبي - ﷺ - على معرفته وحفظه بقراءة ما أنزله اللَّه تعالى عليه من القرآن، فوعده ربه وبشره بأنه سيقرئه من القرآن ما فيه تنزيهه وأنه لا ينسى، فقال : سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى، إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ أي سنجعلك يا محمد قارئا، بأن نلهمك القراءة، فلا تنسى ما تقرؤه، وقد كان النبي - ﷺ - إذا نزل عليه جبريل بالقرآن، لم يفرغ جبريل من آخر الآية حتى يتكلم النبي - ﷺ - بأولها، مخافة أن ينساها، فنزلت هذه الآية، فألهمه اللَّه وعصمه من نسيان القرآن.
ونظير الآية قوله : وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ [طه ٢٠/ ١١٤] وقوله : لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ [القيامة ٧٥/ ١٦- ١٧].

(١) - فتح القدير للشوكاني
(٢) - صحيح مسلم- المكنز(٦٩١٩ )


الصفحة التالية
Icon