، وتنويه بالمؤمنين ذوي النفوس المطمئنة وبشرى لهم برضاء اللّه وجنته. وأسلوب السورة عام العرض والتوجيه مما يدل على تبكيرها بالنزول. وفصولها وآياتها منسجمة مما يدل على نزولها جملة واحدة أو متتابعة. (١)
هذه السورة في عمومها حلقة من حلقات هذا الجزء في الهتاف بالقلب البشري إلى الإيمان والتقوى واليقظة والتدبر.. ولكنها تتضمن ألواناً شتى من الجولات والإيقاعات والظلال. ألواناً متنوعة تؤلف من تفرقها وتناسقها لحناً واحداً متعدد النغمات موحد الإيقاع!
في بعض مشاهدها جمال هادئ رفيق ندي السمات والإيقاعات، كهذا المطلع الندي بمشاهده الكونية الرقيقة، وبظل العبادة والصلاة في ثنايا تلك المشاهد.. ﴿ الفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر.. ﴾.
وفي بعض مشاهدها شد وقصف. سواء مناظرها أو موسيقاها كهذا المشهد العنيف المخيف :﴿ كلا. إذا دكت الأرض دكاً دكاً. وجاء ربك والملك صفاً صفاً. وجيء يومئذ بجهنم. يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى. يقول : يا ليتني قدمت لحياتي. فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد ﴾.. وفي بعض مشاهدها نداوة ورقة ورضى يفيض وطمأنينة. تتناسق فيها المناظر والأنغام، كهذا الختام :﴿ يا أيتها النفس المطمئنة، ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي ﴾..
وفيها إشارات سريعة لمصارع الغابرين المتجبرين، وإيقاعها بين بين. بين إيقاع القصص الرخي وإيقاع المصرع القوي :﴿ ألم تر كيف فعل ربك بعاد. إرم ذات العماد. التي لم يخلق مثلها في البلاد. وثمود الذين جابوا الصخر بالواد. وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد. فصب عليهم ربك سوط عذاب. إن ربك لبالمرصاد ﴾.
وفيها بيان لتصورات الإنسان غير الإيمانية وقيمه غير الإيمانية. وهي ذات لون خاص في السورة تعبيراً وإيقاعاً :﴿ فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه فيقول : ربي أكرمن. وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول : ربي أهانن.. ﴾.
ثم الرد على هذه التصورات ببيان حقيقة حالهم التي تنبع منها هذه التصورات. وهي تشمل لونين من ألوان العبارة والتنغيم :﴿ كلا. بل لا تكرمون اليتم. ولا تحاضون على طعام المسكين. وتأكلون التراث أكلاً لما، وتحبون المال حباً جماً ﴾..

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (١ / ٥٣١)


الصفحة التالية
Icon