قَوْمِ نُوحٍ، وَزادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً، فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [الأعراف ٧/ ٦٩]، وقال سبحانه : فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَقالُوا : مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً، أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ، هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [فصّلت ٤١/ ١٥].
وجواب القسم المبدوء به في أول السورة محذوف تقديره : لتعذبن يا كفار أهل مكة وأمثالكم، وقد دلّ على الجواب هذه الآية : أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ ؟ وما بعدها.
وضمير لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها على الصواب عائد على القبيلة، أي لم يخلق مثل عاد تلك القبيلة في البلاد، يعني في زمانهم، وليس على العماد لارتفاعها كما قال ابن زيد لأنه لو كان المراد ذلك لقال : التي لم يعمل مثلها في البلاد، وإنما قال : لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ (١).
وَثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ أي وقبيلة ثمود قوم صالح عليه السلام الذين قطعوا الصخر ونحتوه، وبنوا بالأحجار بيوتا يسكنون فيها، وقصورا وأبنية عظيمة، في الحجر ما بين الشام والحجاز، أو وادي القرى، كما جاء في قوله تعالى : وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ [الشعراء ٢٦/ ١٤٩]، وقوله سبحانه : وَكانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ [الحجر ١٥/ ٨٢].
وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتادِ أي وحاكم مصر في عهد موسى عليه السلام، الذي هو صاحب المباني العظيمة، ومنها الأهرام التي بناها الفراعنة لتكون قبورا لهم، وسخّروا في بنائها شعوبهم. وقيل : الأوتاد : الجنود والعساكر والجموع والجيوش التي تشدّ ملكه.
والتعبير بالأوتاد عن الأبنية يشير إلى هياكلهم العظيمة التي لها شكل الأوتاد المقلوبة، فهي عريضة القاعدة، ثم تصير رفيعة دقيقة في رأسها.
الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسادَ أي هؤلاء الذين سبق ذكرهم وهم عاد وثمود وفرعون الذين تجاوزوا في بلادهم الحدّ في الظلم والجور، وتمردوا وعتوا، واغتروا بقوتهم، وأكثروا الفساد فيها بالكفر والمعاصي وظلم العباد.
فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ أي فأنزل اللَّه تعالى على تلك الطوائف نوعا من العذاب الشديد، مشبها ما أوقعه بهم بالسوط المؤلم الذي يستعمل في تطبيق العقوبات. وقد ذكر نوع عقوباتهم تفصيلا في سورة الحاقة [الآيات : ٥- ١٠].
ثم ذكر اللَّه تعالى سبب العذاب وهو الجريمة، فقال : إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ أي إن اللَّه يرصد عمل كل إنسان، فلا يفوته شيء، حتى يجازيه عليه بالخير خيرا، وبالشر شرّا، ولا يهمل منه شيئا قلّ أو كثر، صغر أو كبر. والمرصاد : المكان الذي يرقب فيه الرصد.

(١) - تفسير ابن كثير : ٤/ ٥٠٧


الصفحة التالية
Icon