والغرض من تكرار هذه القصص في مواضع مختلفة من القرآن الكريم هو التذكير بها، والعظة والعبرة منها، إما بالاستدلال على قدرته تعالى، وإما ببيان قهره العباد، وإما بإنذارهم وتخويفهم، ليدركوا أن ما جرى على شخص أو قوم، يجري على النظير والمثيل.
تنبيه هام حول مدينة عاد :
عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قِلَابَةَ، أَنَّهُ خَرَجَ فِي طَلَبِ إِبِلٍ لَهُ نَشَزَتْ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي صَحَارِي عَدَنِ أَبْيَنَ وَالشَّجَرُ تُظِلُّهُ فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ إِذْ وَقَعَ عَلَى مَدِينَةٍ فِي تِلْكَ الْفَلَوَاتِ عَلَيْهَا حِصْنٌ حَوْلَ ذَلِكَ الْحِصْنِ قُصُورٌ كَثِيرَةٌ، وَأَعْلَامٌ طِوَالٌ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهَا ظَنَّ أَنَّ فِيهَا أَحَدًا يَسْأَلُهُ عَنْ إِبِلِهِ، فَإِذَا لَا خَارِجَ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ حِصْنِهَا، وَلَا دَاخِلٌ يَدْخُلُ مِنْهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ عَنْ نَاقَتِهِ وَ عَقَلَهَا، ثُمَّ اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَدَخَلَ مِنْ بَابِ الْحِصْنِ، فَلَمَّا خَلَفَ الْحِصْنَ إِذَا هُوَ بِبَابَيْنِ عَظِيمَيْنِ لَمْ يُرَ فِي الدُّنْيَا شَيْءٌ أَعْظَمُ مِنْهُمَا، وَلَا أَطْوَلُ، وَإِذَا خَشَبُهُمَا مُحْمِرٌّ، وَفِي ذَيْنِكَ الْبَابَيْنِ مَسَامِيرُ مِنْ يَاقُوتٍ أَبْيَضَ، وَيَاقُوتٍ أَحْمَرَ يُضِيئُ ذَانِكَ الْبَابَانِ فِيمَا بَيْنَ الْحِصْنِ وَالْمَدِينَةِ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الرَّجُلُ أَعْجَبَهُ، وَتَعَاظَمَهُ الْأَمْرُ، فَفَتَحَ أَحَدَ الْبَابَيْنِ وَدَخَلَ، فَإِذَا هُوَ بِمَدِينَةٍ لَمْ يَرَ الرَّاءُونَ مِثْلَهَا قَطُّ، وَإِذَا هِيَ قُصُورٌ : قُصُورٌ عَلَى كُلِّ قَصْرٍ مُعَلَّقٍ تَحْتَهُ أَعْمِدَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ وَيَاقُوتٍ، وَمِنْ فَوْقِ كُلِّ قَصْرٍ مِنْهَا غُرَفٌ، وَفَوْقَ الْغُرَفِ غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ، وَالزَّبَرْجَدِ، وَكُلُّ مَصَارِيعِ تِلْكَ الْقُصُورِ، وَتِلْكَ الْغُرَفِ مِثْلُ مِصْرَاعَيْ بَابِ الْمَدِينَةِ مِنْ حَجَرٍ، كُلُّهَا مُفَصَّصَةٌ بِالْيَاقُوتِ الْأَبْيَضِ، وَالْيَاقُوتِ الْأَحْمَرِ، مُتَقَابِلَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، يُنَوَّرُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، مَفْرُوشَةٌ كُلُّهَا تِلْكَ الْقُصُورُ، وَتِلْكَ الْغُرَفُ بِاللُّؤْلُؤِ، وَبَنَادِقٍ مِنْ مِسْكٍ وَزَعْفَرَانٍ، فَلَمَّا عَايَنَ الرَّجُلُ مَا عَايَنَ، وَلَمْ يَرَ فِيهَا أَحَدًا، وَلَا أَثَرَ أَحَدٍ، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مَفْرُوغٌ مِنْهُ، بِنَاءً لَمْ يَسْكُنْهُ أَحَدٌ، وَلَمْ يَرَ أَثَرًا لِأَحَدٍ مِنَ النَّاسِ إِلَّا عَصًا حَدِيدَةً أَهَالَهُ ذَلِكَ وَأَفْزَعَهُ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى الْأَزِقَّةِ، فَإِذَا هُوَ بِالشَّجَرِ فِي كُلِّ زُقَاقٍ مِنْهَا قَدْ أَثْمَرَتْ تِلْكَ الْأَشْجَارُ كُلُّهَا، وَإِذَا تَحْتَ تِلْكَ الْأَشْجَارِ أَنْهَارٌ مُطَّرِدَةٌ يَجْرِي مَاؤُهَا مِنْ قَنَوَاتٍ مِنْ فِضَّةٍ، كُلُّ قَنَاةٍ مِنْهَا أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ الشَّمْسِ، تَجْرِي تِلْكَ الْقَنَوَاتُ تَحْتَ الْأَشْجَارِ، وَدَاخَلَ الرَّجُلَ الْعَجَبُ مِمَّا رَأَى، وَقَالَ : وَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا - ﷺ - بِالْحَقِّ مَا خَلَقَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِثْلَ هَذِهِ في الدُّنْيَا، وَإِنَّ هَذِهِ لِلْجَنَّةُ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، مَا بَقِيَ مِمَّا وَصَفَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ هَذِهِ الْجَنَّةُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَدْخَلَنِيهَا، سَاهِرٌ عَلَى ذَلِكَ يُوامِرُ نَفْسَهُ وَيَتَدَبَّرُ رَأْيَهُ، إِذْ دَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لُؤْلُؤِهَا، وَيَاقُوتِهَا وَ زَبَرْجَدِهَا، ثُمَّ يَخْرُجُ حَتَّى يَأْتِيَ بِلَادَهُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهَا، فَفَعَلَ فَحَمَلَ مَعَهُ مِنْ لُؤْلُؤِهَا وَمِنْ بَنَادِقِ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقْلَعَ مِنْ زَبَرْجَدِهَا شَيْئًا، وَلَا مِنْ يَاقُوتِهَا لِأَنَّهَا مُثَبَّتَةٌ فِي أَبْوَابِهَا وَجُدْرَانِهَا، وَكَانَ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ وَالْبَنَادِقُ مِنَ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ مَنْثُورًا فِي تِلْكَ الْغُرَفِ، وَالْقُصُورِ كُلِّهَا، فَأَخَذَ مَا أَرَادَ وَخَرَجَ إِلَى نَاقَتِهِ، فَحَلَّ


الصفحة التالية
Icon