عَقْلَهَا وَرَكِبَهَا، ثُمَّ سَارَ رَاجِعًا يَقْفُو أَثَرَ نَاقَتِهِ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْيَمَنِ، فَأَظْهَرَ مَا كَانَ مَعَهُ، فَأَعْلَمَ النَّاسَ أَمَرَهُ، وَمَا كَانَ مِنْ قِصَّتِهِ، وَبَاعَ بَعْضَ اللُّؤْلُؤِ، وَكَانَ ذَلِكَ اللُّؤْلُؤُ قَدِ اصْفَرَّ مِنْ طُولِ مُرُورِ اللَّيَالِي وَالْأَيَّامِ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ أَمْرُ ذَلِكَ الرَّجُلِ يَنْمَى وَيَخْرُجُ حَتَّى بَلَغَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَأَرْسَلَ رَسُولًا وَكَتَبَ إِلَى صَاحِبِ صَنْعَاءَ يَأْمُرُهُ أَنْ يَبْعَثَ لَهُ الرَّجُلَ لَيَسْأَلَهُ عَمَّا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ، فَخَرَجَ بِهِ رَسُولُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ مِنَ الْيَمَنِ حَتَّى قَدِمَ بِهِ الشَّامَ، وَأَمَرَ صَاحِبَ صَنْعَاءَ الرَّجُلَ أَنْ يَخْرُجَ بِبَعْضِ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ مَتَاعِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ، فَسَارَ الرَّجُلُ وَرَسُولُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى مُعَاوِيَةَ، فَخَلَّى بِهِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَأَلَهُ عَمَّا رَأَى وَعَايَنَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ أَمْرَ الْمَدِينَةِ، وَمَا رَأَى فِيهَا شَيْئًا شَيْئًا، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ وَأَنْكَرَ مَا حَدَّثَهُ وَقَالَ :" مَا أَظُنُّ مَا تَقُولُ حَقًّا ؟ " فَقَالَ الرَّجُلُ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هِيَ مِنْ مَتَاعِهَا الَّذِي هُوَ مَفْرُوشٌ فِي قُصُورِهَا وَغُرَفِهَا وَبُيُوتِهَا. قَالَ :" مَا هُوَ ؟ " قَالَ : اللُّؤْلُؤُ وَبَنَادِقُ الْمِسْكِ وَالزَّعْفَرَانِ فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ :" هَاتِ حَتَّى أَرَاهُ ". فَأَرَاهُ لُؤْلُؤًا أَصْفَرَ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَكُونُ مِنَ اللُّؤْلُؤِ، وَأَرَاهُ تِلْكَ الْبَنَادِقَ، فَشَمَّهَا مُعَاوِيَةُ فَلَمْ يَجِدْ لَهَا رِيحًا، فَأَمَرَ بِدَقِّ بُنْدُقَةٍ مِنْ تِلْكَ الْبَنَادِقِ، فَسَطَعَ رِيحُهَا مِسْكًا وَزَعْفَرَانًا فَصَدَّقَهُ مُعَاوِيَةُ عِنْدَ ذَلِكَ وَقَالَ :" كَيْفَ لِي حَتَّى أَعْلَمَ مَا اسْمُ هَذِهِ الْمَدِينَةِ ؟ وَمَنْ بَنَاهَا ؟ وَلِمَنْ كَانَتْ ؟ فَواللَّهِ، مَا أُعْطِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُعْطِيَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، وَمَا مَلَكَ سُلَيْمَانُ مِثْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةَ ". فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَاءِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ خَبَرَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا فِي زَمَانِنَا هَذَا إِلَّا عِنْدَ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، فَإِنْ رَأَى أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَيْهِ، وَيَأْمُرَ بِأَنْ يَغِيبَ عَنْهُ هَذَا الرَّجُلُ، فَإِنَّهُ سَيُخْبِرُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَمْرِهَا، وَأَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ، إِنْ كَانَ دَخَلَهَا، لِأَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَدِينَةِ عَلَى مِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ لَا يَسْتَطِيعُ هَذَا الرَّجُلُ دُخُولَهَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ سَبَقَ فِي الْكِتَابِ الْأَوَّلِ دُخُولُهُ إِيَّاهَا، فَابْعَثْ إِلَى كَعْبٍ فَإِنَّهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَحَدًا عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَعْلَمَ مِنْهُ، وَلَا مَنْ مَضَى مِنَ الدَّهْرِ، وَلَا يَكُونُ مِنْ بَعْدِ الْيَوْمِ إِلَّا هُوَ فِي التَّوْرَاةِ مُفَسَّرًا مَنْسُوبًا مَعْرُوفًا مَكَانُهُ، فَلْيَبْعَثْ إِلَيْهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّهُ سَيَجِدُ خَبَرَهَا عِنْدَهُ، فَأَرْسَلَ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى كَعْبِ الْأَحْبَارِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ :" يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنِّي دَعَوْتُكَ لِأَمْرٍ رَجَوْتُ أَنْ يَكُونَ عِلْمُهُ عِنْدَكَ ". قَالَ كَعْبٌ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ، فَسَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ ؟ قَالَ :" أَخْبِرْنِي يَا أَبَا إِسْحَاقَ، هَلْ بَلَغَكَ أَنَّ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةً مَبْنِيَّةً بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَعُمُدُهَا زَبَرْجَدٌ وَيَاقُوتٌ وَحَصْبَاءُ، قُصُورُهَا وَغُرَفُهَا اللُّؤْلُؤُ، فِيهَا أَجِنَّتُهَا وَأَنْهَارُهَا فِي الْأَزِقَّةِ تَحْتَ الْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ ؟ " قَالَ كَعْبٌ : وَالَّذِي نَفْسُ كَعْبٍ بِيَدِهِ لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنِّي سَأُوَسَّدُ يَمِينِي قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَنِي أَحَدٌ عَنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ وَمَا فِيهَا وَلِمَنْ هِيَ ؟، وَلَكِنْ أُخْبِرُكَ بِهَا، وَمَنْ بَنَاهَا ؟، وَلِمَنْ هِيَ ؟ : أَمَّا تِلْكَ الْمَدِينَةُ، فَهِيَ حَقٌّ كَمَا بَلَغَ