أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَعَلَى مَا وُصِفَ لَهُ، وَأَمَّا صَاحِبُهَا الَّذِي بَنَاهَا، فَشَدَّادُ بْنُ عَادٍ، وَأَمَّا الْمَدِينَةُ فَإِرَمُ ذَاتُ الْعِمَادِ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ - ﷺ - : إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وَهِيَ كَمَا وُصِفَ لَكَ لَمْ يُبْنَ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ. فَقَالَ مُعَاوِيَةُ :" حَدِّثْنَا بِحَدِيثِهَا يَا أَبَا إِسْحَاقَ، يَرْحَمُكَ اللَّهُ تَعَالَى ". قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ : أُخْبِرُكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ عَادًا الْأُولَى لَيْسَ عَادَ قَوْمِ هُودٍ، وَلَكِنْ عَادٌ الْأُولَى إِنَّمَا هُوَ هُودٌ، وَقَوْمُ هُودٍ وَلَدُ ذَلِكَ، فَكَانَ عَادٌ لَهُ ابْنَانِ : فَسَمَّى أَحَدَهُمَا شَدِيدًا، وَالْآخَرَ شَدَّادًا، فَهَلَكَ عَادٌ فَبَغَيَا، وَتَجَبَّرَا، وَمَلَكَا فَقَهَرَا كُلَّ الْبِلَادِ، وَأَخَذَاهَا عَنْوَةً وَقَسْرًا حَتَّى دَانَ لَهُمَا جَمِيعُ الْقَبَائِلِ حَتَّى لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ فِي زَمَانِهِمَا إِلَّا وَهُوَ فِي طَاعَتِهِمَا، لَا فِي مَشْرِقِ الْأَرْضِ، وَلَا فِي مَغْرِبِهَا، وَإِنَّهُ لَمَّا صَفَا لَهُمَا ذَلِكَ، وَقَرَّ قَرَارُهُمَا مَاتَ شَدِيدٌ وَبَقِيَ شَدَّادٌ، فَمَلَكَ وَحْدَهُ، وَلَمْ يُنَازِعْهُ أَحَدٌ، وَدَانَتْ لَهُ الدُّنْيَا كُلُّهَا بِأَسْرِهَا، فَكَانَ مُولَعًا بِقِرَاءَةِ الْكُتُبِ الْأُولَى الْفَانِيَةِ، وَكُلَّمَا مَرَّ فِيهِ بِذِكْرِ الْجَنَّةِ، وَمَا سَمِعَ مِمَّا فِيهَا مِنَ الْبُنْيَانِ وَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ دَعَتْهُ نَفْسُهُ أَنْ يُقَلِّدَ تِلْكَ الصِّفَةَ فِي الدُّنْيَا عُتُوًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِبْرًا، فَلَمَّا وَقَرَ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ، وَالَّذِي يُرِيدُ أَمَرَ بِصَنْعَةِ تِلْكَ الْمَدِينَةِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ، وَأَمَرَ عَلَى صُنْعِهَا مِائَةَ قَهْرَمَانٍ، مَعَ كُلِّ قَهْرَمَانٍ أَلْفٌ مِنَ الْأَعْوَانِ. قَالَ : انْطَلِقُوا إِلَى أَطْيَبِ فَلَاةٍ فِي الْأَرْضِ وَأَوْسَعِهَا، فَاعْمَلُوا لِي فِيهَا مَدِينَةً مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَيَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَلُؤْلُؤٍ تَحْتَ تِلْكَ الْمَدِينَةِ أَعْمِدَةٌ مِنْ زَبَرْجَدٍ، وَعَلَى الْمَدِينَةِ قُصُورٌ، وَمِنْ فَوْقِ الْقُصُورِ غُرَفٌ، وَمِنْ فَوْقِ الْغُرَفِ غُرَفٌ، وَاغْرِسُوا تَحْتَ الْقُصُورِ فِي أَزِقَّتِهَا أَصْنَافَ الثِّمَارِ كُلَّهَا، وَأَجْرُوا فِيهَا الْأَنْهَارَ حَتَّى يَكُونَ تَحْتِ الْأَشْجَارِ، فَإِنِّي أَسْمَعُ فِي الْكِتَابِ صِفَةَ الْجَنَّةِ، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ مِثْلَهَا فِي الدُّنْيَا، أَتَعَجَّلُ سُكْنَاهَا. فَقَالَ لَهُ قَهَارِمَتُهُ - وَكَانُوا مِائَةَ قَهْرَمَانٍ - تَحْتَ يَدِ كُلِّ قَهْرَمَانٍ مِنْهُمْ أَلْفٌ مِنَ الْأَعْوَانِ : كَيْفَ لَنَا أَنْ نَقْدِرَ عَلَى مَا وَصَفْتَ لَنَا مِنَ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَبْنِي مِنْهُ مَدِينَةً مِنَ الْمَدَائِنِ كَمَا وَصَفْتَ لَنَا ؟ مَتَى نَقْدِرُ عَلَى هَذَا الذَّهَبِ كُلِّهِ وَهَذِهِ الْفِضَّةِ ؟ فَقَالَ لَهُمْ شَدَّادٌ : أَلَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ مُلْكَ الدُّنْيَا كُلِّهَا بِيَدِي ؟ قَالُوا : بَلَى. قَالَ : فَانْطَلِقُوا إِلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَعْدِنٍ مِنْ مَعَادِنِ الزَّبَرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ، أَوْ بَحْرٍ فِيهِ لُؤْلُؤٌ، أَوْ مَعْدِنُ ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، وَوَكِّلُوا بِهِ مِنْ كُلِّ قَوْمٍ رَجُلًا يُخْرِجُ لَكُمْ مَا كَانَ فِي كُلِّ مَعْدِنٍ مِنْ تِلْكَ الْبِلَادِ، ثُمَّ انْطَلِقُوا، فَانْظُرُوا إِلَى مَا كَانَ فِي أَيْدِي النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ، فَخُذُوهُ سِوَى مَا يَأْتِيكُمْ بِهِ أَصْحَابُ الْمَعَادِنِ، فَإِنَّ مَعَادِنَ الدُّنْيَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا فِيهَا مِمَّا لَا تَعْلَمُونَ بِهِ أَكْثَرُ، وَأَعْظَمُ مِمَّا كُلِّفْتُمْ مِنْ صَنْعَةِ هَذِهِ الْمَدِينَةِ. قَالَ : فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، فَكَتَبَ مِنْهُ إِلَى كُلِّ مَلِكٍ فِي الدُّنْيَا يَأْمُرُهُ أَنْ يَجْمَعَ مَا فِي بِلَادِهِ مِنْ جَوْهَرِهَا، وَيَحْفُرَ مَعَادِنَهَا، فَانْطَلَقَ أُولَئِكَ الْقَهَارِمَةُ، فَبَعَثُوا بِكَلِّ كِتَابٍ إِلَى مَلِكٍ مِنْ تِلْكَ الْمُلُوكِ، وَأَخَذَ كُلُّ مَلِكٍ مَا يَجِدُ فِي يَدَيْهِ فِي مُلْكِهِ عَشْرَ سِنِينَ حَتَّى بَعَثَ إِلَى فَعَلَةِ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ بِمَا قَبْلَهُ مِمَّا سَأَلَهُ مِنَ الزَّبَرْجَدِ، وَالْيَاقُوتِ وَاللُّؤْلُؤِ، وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَأَخَذَ الْقَوْمُ فِي


الصفحة التالية
Icon