توبيخ الإنسان على قلة اهتمامه بالآخرة وفرط تماديه في الدنيا
قال تعالى :
فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (١٥) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (١٦) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (١٧) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (١٨) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (١٩) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا (٢٠)
المناسبة :
بعد أن بيّن اللَّه تعالى أنه بمرصد من أعمال بني آدم، يراقبهم ويجازيهم، عقّبه بتوبيخ الإنسان على قلة اهتمامه بأمر الآخرة، وفرط تماديه في إصلاح المعاش الدنيوي، كأنه قيل : إن اللَّه يؤثر الآخرة ويرغّب فيها، وأما الإنسان فلا يهمه إلا الدنيا ولذاتها وشهواتها، فإذا صار في راحة قال : ربي أكرمني ورفعني، وإن فقد الراحة قال : ربي أهانني وأذلني.
وبعد بيان خطأ الإنسان في تصوره واعتقاده هذا، زجر الناس عن تقصيرهم وارتكابهم المنكرات، ونبّه لما هو شرّ من ذلك، وهو أنه يكرمهم بكثرة المال، ثم لا يؤدون حق اللَّه فيه، فلا يحسنون إلى اليتامى والمساكين، ويتناهبون الميراث دون إعطاء النساء والصبيان حقوقهم، ويحصرون على جمع المال حرصا شديدا " (١)
المفردات :
١٥... أَكْرَمَهُ... بالمال والجاه
١٦... قَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ... ضيقه وقلله
١٦... أَهَانَنِ... أذلني بالفقر
١٧... كَلاَّ... ليس الأمر كذلك
١٩... التُّرَاثَ... الميراث
١٩... أَكْلاً لَمَّا... أكلا شديدا
٢٠... حُبًّا جَمًّا... حبا كثيرا عظيماً
المعنى الإجمالي:
بعد أن ذكر سبحانه أنه لا يفوته من شأن عباده شىء.
وأنه يأخذ كل مذنب بذنبه - أردف ذلك ذكر شأن من شئون الإنسان، وبين أنه لا يهتم إلا بأمور الدنيا وشهواتها، فإذا أنعم اللّه عليه وأوسع له فى الرزق ظن أنه قد اصطفاه ورفعه على من سواه وجنبه منازل العقوبة، فيذهب مع هواه ويفعل ما يشتهى، ولا يبالى أ كان ما يصنع

(١) - التفسير المنير ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ٢٣٠)


الصفحة التالية
Icon