وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - :" كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ، أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى " (١)
فترك إكرام اليتيم : ترك برّه، ودفعه عن حقه الثابت له في الميراث، وأخذ ماله منه.
وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا، وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا أي وإنكم تأكلون الميراث أكلا شديدا، وجمعا من أي جهة حصل، من حلال أو حرام.
وتحبون المال حبّا كثيرا فاحشا، والجمّ : الكثير، قال بعضهم : إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا وأيّ عبد لك لا ألّما والخلاصة : أنكم تؤثرون الدنيا على الآخرة، واللَّه يحب السعي للآخرة، وترك الإفراط والمغالاة والتمادي في حبّ الدنيا وملذاتها.
ومضات :
إن الكلام السابق اشتمل على وصف ما كانت تتمتع به الأمم الممثَّل بها مما أنعم الله عليها به من النعم، وهم لاهون عن دعوة رُسُل الله، ومعرضون عن طلب مرضاة ربهم، مقتحمون المناكر التي نُهوا عنها، بطرون بالنعمة، معجَبون بعظمتهم فعقب ذكر ما كانوا عليه وما جازاهم الله به عليه من عذاب في الدنيا، باستخلاص العِبرة وهو تذكير المشركين بأن حالهم مماثل لحال أولئك تَرفاً وطغياناً وبطراً، وتنبيهُهم على خطاهم إذْ كانت لهم من حال الترف والنعمة شبهةٌ توهَّموا بها أن الله جعلهم محل كرامة، فحسبوا أن إنذار الرسول ( - ﷺ - ) إياهم بالعذاب ليس بصدق لأنه يخالف ما هو واقع لهم من النعمة، فتوهموا أنّ فعل الله بهم أدلّ على كرامتهم عنده مما يخبر به الرسول ( - ﷺ - ) أن الله أمرهم بخلاف ما هم عليه، ونفوا أن يَكون بعد هذا العالم عالم آخر يضاده، وقصروا عطاء الله على ما عليه عباده في هذه الحياة الدنيا، فكان هذا الوهَم مُسوِّلاً لهم التذكيب بما أنذروا به من وعيد، وبما يسر المؤمنون من ثواب في الآخرة، فحصروا جزاء الخير في الثروة والنعمة وقصروا جزاء السوء على الخصاصة وقَتْر الرزق. وقد تكرر في القرآن التعرض لإِبطال ذلك كقوله :( أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ( ( المؤمنون : ٥٥، ٥٦ ). وقد تضمن هذا الوهَم أصولاً انبنى عليها، وهي : إنكار الجزاء في الآخرة، وإنكار الحياة الثانية، وتوهم دوام الأحوال.
ففاء التفريع مرتبطة بجملة :( إن ربك لبالمرصاد ( ( الفجر : ١٤ ) بما فيها من العموم الذي اقتضاه كونها تذييلاً.
والمعنى : هذا شأن ربك الجاري على وفق علمه وحكمته.

(١) - صحيح مسلم (٧٦٦٠ )


الصفحة التالية
Icon