الإنسان الذي ابتلاه اللّه فأكرمه ونعمه، فلم يحمد اللّه، ولم يشكر له فضله وإحسانه، والإنسان الذي قدر اللّه عليه رزقه، فساء ظنّه باللّه، وغيّر موقفه منه ـ هذا الإنسان ـ فى حاليه اللذين عرضتهما سورة « الفجر » ـ يرى فى أوضح صورة فى إنسان هذا البلد، وهو مكة، البلد الحرام الذي رفع اللّه قدره، وجعله حرما آمنا، يجبى إليه ثمرات كل شىء، وجعله موضعا لأول بيت يعبد فيه على هذه الأرض ـ هذا الإنسان الذي يعيش فى هذا البلد الأمين، كان جديرا به أن يكون أعرف الناس بربه، وأرضاهم لحكمه، ولكنه لم يرع حرمة هذا البلد، فلم يكرم اليتيم، ولم يحض على طعام المسكين، وأكل التراث أكلا لما، وأحب المال حبا جمّا، أعماه عن طريق الحق، وأضله عن سبيل الرشاد.. فهل هو بعد هذه النّذر عائد إلى ربه، داخل فى عباده ؟ ذلك ما ستكشف عنه الأيام منه، مع دعوة الحق التي يحملها رسول اللّه إليه.. فالمناسبة بين السورتين قريبة دانية. (١)
ترتبط السورة بما قبلها من وجهين :
١- ذم اللَّه تعالى في السورة السابقة (الفجر) من أحب المال، وأكل التراث، ولم يحض على طعام المسكين، وذكر في هذه السورة الخصال التي تطلب من صاحب المال من فك الرقبة (إعتاق العبيد) والإطعام في يوم المسغبة (المجاعة).
٢- ختم اللَّه تعالى السورة المتقدمة ببيان حال النفس المطمئنة في الآخرة، وذكر هنا طريق الاطمئنان، وحذّر من ضده وهو الكفر بآيات اللَّه ومخالفة أوامر الرحمن. (٢)
ما اشتملت عليه السورة :
حوت من الأغراض التنويه بمكة. وبمُقام النبي ( - ﷺ - ) بها. وبركته فيها وعلى أهلها. والتنويهَ بأسلاف النبي ( - ﷺ - ) من سكانها الذين كانوا من الأنبياء مثل إبراهيم وإسماعيل أو من أتباع الحنيفية مثل عَدنان ومُضر كما سيأتي.
والتخلصَ إلى ذَم سيرة أهل الشرك. وإنكارهم البعث. وما كانوا عليه من التفاخر المبالغ فيه، وما أهملوه من شكر النعمة على الحواس، ونعمة النطق، ونعمة الفكر، ونعمة الإِرشاد فلم يشكروا ذلك بالبذل في سبل الخير وما فرطوا فيه من خصال الإِيمان وأخلاقه.
ووعيدَ الكافرين وبشارة الموقنين. (٣)

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٥٦٤)
(٢) - تفسير الشيخ المراغى ـ موافقا للمطبوع - (٣٠ / ١٥٥)
(٣) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ٣٤٥)


الصفحة التالية
Icon