أقسم بالليل إذا يغشى الشمس ويستر ضوءها عنا فالنهار يظهرها، والليل يسترها، فسبحان من خلق هذا، وإذا كانت الشمس يجليها النهار ويسترها الليل هل يعقل أن تعبد وتكون إلها ؟ ! وأقسم بالسماء وعوالمها وقد بناها اللّه وأحكم رباطها، وقوى جاذبيتها فلا ترى فيها خللا ولا عوجا لأنها صنعة الحكيم القادر. وأقسم بالأرض وما طحاها، أى : بسطها في نظر العين ووسعها ليعيش عليها الخلق، وأقسم بالنفس والذي سواها وأحكم أمرها ومنحها القوى والغرائز التي تستكمل بها الحياة، فترتب على ذلك أن خلق لها عقلا يميز بين الخير والشر وذلك من تمام التسوية، وأقدرها على فعل المعصية التي تهلكها والخير الذي ينجيها ويقيها من السوء، قد أفلح من زكاها ونماها وأعلاها. وقد خاب وخسر من دساها حتى جعلها في عداد نفوس الحيوانات. فإن الإنسان يرتفع عن الحيوان بتحكم العقل والسمو بالنفس عن مزالق الشهوات، أما إذا انحط إلى المعاصي وحكم الشهوة في نفسه كان هو والحيوان سواء. ويصدق عليه : أنه دسى نفسه وأنقص مرتبتها وجعلها في عداد نفوس الحيوانات التي تحكمها شهوتها لا عقلها. (١)
التفسير والبيان :
أقسم اللَّه تعالى في مطلع هذه السورة بسبعة أشياء، فقال :
١- ٢- وَالشَّمْسِ وَضُحاها، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها أي أقسم بالشمس المضيئة نفسها، سواء غابت أم طلعت لأنها شيء عظيم أبدعها اللَّه، وأقسم بضوئها وضحاها وهو وقت ارتفاع الشمس بعد طلوعها إذا تم ضوؤها لأنه مبعث حياة الأحياء.
وأقسم بالقمر المنير إذا تبع الشمس في الطلوع بعد غروبها، وبخاصة في الليالي البيض : وهي الليالي الثالثة عشرة إلى السادسة عشرة وقت امتلائه وصيرورته بدرا بعد غروب الشمس إلى الفجر. وهذا قسم بالضوء وقت الليل كله.
٣- ٤- وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها، وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها أي وأقسم بالنهار إذا جلّى الشمس وكشفها وأظهر تمامها، ففي اكتمال النهار كمال وضوح الشمس، وأقسم بالليل إذا يغشى الشمس ويغطي ضوءها بظلمته، فيزيل الضوء وتغيب الشمس، وتظلم الدنيا في نصف الكرة الأرضية، ثم تطلع في النصف الآخر.
وفي هذا التبدل والتغير رد على المشركين الذين يؤلهون الكواكب، والثنوية الذين يقولون بأن للعالم إلهين اثنين : النور والظلمة لأن الإله لا يغيب ولا يتبدل حاله.
وبعد التنويه بعظم هذه الأشياء الكونية، ذكر اللَّه تعالى صفات حدوثها، فقال :

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٦٨)


الصفحة التالية
Icon