سابق لا حيلة فيه. في حين أن الذي يتبادر بقوة من فحوى الآية وروحها أنها تتضمن تقرير كون اللّه عز وجل قد أودع في الناس قابلية فعل الخير والشر والهدى والضلال والتمييز والاختيار والسلوك. وفي الآيتين التاليتين لها تأييد قوي لذلك حيث احتوتا تنبيها تبشيريا وإنذاريا إلى نتائج استعمال هذه القابلية مع نسبة هذا الاستعمال للإنسان. وحيث يبدو من ذلك قصد التنبيه على التلازم والتلاحم بين الاختيار ونتائجه. وحيث يتسق هذا مع التقريرات القرآنية السابقة بتحميل الإنسان مسؤولية عمله واختياره. وقد تكرر هذا كله بعد هذه السورة بأساليب متنوعة على ما سوف ننبه إليه في مناسباته حتى ليصح أن يقال إنه من المبادئ القرآنية المحكمة ثم من الضوابط القرآنية التي يمكن أن يزول على ضوئها ما يبدو أحيانا من وهم المباينات والإشكالات في بعض العبارات القرآنية.
فإذا صح الحديث فيكون هناك حكمة نبوية ضاعت علينا. (١)
هذه أقسام عدّتها أحد عشر قسما، أقسم اللّه سبحانه وتعالى بها، مفتتحا السورة الكريمة.. الشمس، وضحى الشمس، والقمر، والنهار، والليل، والسماء، وبناؤها، والأرض، وبسطها. ثم النفس، وما ركّب فيها..
وفى هذه الأقسام نرى ستة منها متزاوجة، متقابلة.. فالشمس يقابلها القمر، والنهار يقابله الليل، والسماء تقابلها الأرض.. ثم نرى الشمس، والنهار، والسماء، يقابلها على التوالي : القمر، والليل، والأرض..
وإذ نبحث عن مقابل للنفس، لا نجد هذا المقابل، الذي يستدعيه سياق النظم فى ظاهره..
فإذا أمعنا النظر قليلا، نجد أن النفس تضمّ فى كيانها شيئين متقابلين، هما : الفجور والتقوى، أو إن شئت فقل، الشمس والقمر، أو النهار والليل، أو السماء والأرض..
ففى كيان النفس، نور وظلام، ونهار وليل، وعلوّ وسفل.
فإذا تعمقنا النظر، وجدنا الشمس تمثل العقل، والقمر يمثل الضمير، الذي تستضىء بصيرته من العقل، كما يستمد القمر نوره من الشمس.. وللعقل شروق وغروب. فإذا اتجه إلى الحق أسفر عن وجهه وكان نهارا مبصرا، يتحرك الإنسان فيه على هدى وبصيرة.. وإذا اتجه إلى الباطل غربت شمسه، وأطبق ليله، وعمّيت على صاحبه السبل، ودرست معالمها..
ثم إذا أخذ الإنسان طريق الحق اتجه صعدا نحو معالم النور، فكان أقرب إلى عالم السماء منه إلى عالم الأرض.. أما إذا ركب مركب الضلال، فإنه يهبط منحدرا حتى تغوص أقدامه فى التراب، وقد يتدلّى حتى يكون حشرة من حشرات الأرض، أو دودة من ديدانها..

(١) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٢ / ١٣٩)


الصفحة التالية
Icon