وننظر فى أجزاء هذه الصورة التي رسمتها الآيات القرآنية للإنسان من داخل نفسه كما تحدثت عنها آيات الكتاب الكريم..
« وَالشَّمْسِ وَضُحاها ».. الواو هنا للقسم، وما بعدها من واوات هى حرف عطف، تعطف هذه الأقسام بعضها على بعض.. هكذا يكون الإنسان حين مولده.. إنه أشبه بالشمس فى إشراقه ووضاءته..
إنه الإنسان فى أحسن تقويم، كما خلقه الخالق جل وعلا، قبل أن تنعقد فى سمائه سحب الضلالات، وتهبّ عليه أعاصير الحياة محملة بالغثاء والتراب.
«وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها.. » هو الإنسان الذي خيمت عليه موروثات الآباء والأجداد فى بيئة الكفر والضلال، فلعبت بعقله، وحجبت شمس فكره، ثم بقي معه بعد ذلك شىء من شعاع العقل، يجده مندسّا فى ضميره، مختزنا فى فطرته.. فيقف فى مفترق الطريق بين الهدى والضلال، بين أن يرجع إلى عقله، ويحتكم إلى رأيه، أو ينساق مع هواه، ويتّبع ما كان عليه آباؤه « وَالنَّهارِ إِذا جَلَّاها ».. فإذا غلب الرأى على الهوى، وأخذ الإنسان طريق الحق، عاد إلى العقل سلطانه، وتجلت فى الإنسان آيات شمسة، فأضاءت كل شىء حوله..
« وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها ».. وأما إذا غلب الهوى على الرأى، وأخذ الإنسان طريق الباطل، فقد غربت شمس العقل، وعميت بصيرة الإنسان، واشتمل عليه ليل دامس، لا نجم فى سمائه ولا قمر..
« وَالسَّماءِ وَما بَناها » والإنسان الذي أمسك بعقله، واستجاب لسلطانه، هو ـ كما قلنا ـ إلى عالم السماء أقرب منه إلى عالم الأرض.. إنه الإنسان الذي خلقه اللّه فى أحسن تقويم..
« وَالْأَرْضِ وَما طَحاها » هو الإنسان الذي زهد فى عقله، وأسلم زمامه لهواه، فكان بعضا من هذه الأرض..
إنه الإنسان الذي ردّه اللّه أسفل سافلين..
« وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها، فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » هى النفس الإنسانية على إطلاقها.. إنها مستعدة الهدى والضلال، فاردة قلاعها إلى جهتى الخير والشر.. هكذا صاغها الخالق جل وعلا، من النور والظلام، من نفحات السماء، ومن تراب الأرض. « فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » أي آتاها اللّه سبحانه وتعالى القدرة على الاتجاه نحو اليمين أو الشمال، نحو الخير أو الشر، نحو الإيمان أو الكفر.. هكذا يرى الإنسان القدرة من نفسه على التحرك فى هذين الاتجاهين..