كذبت ثمود بسبب طغيانهم حين انبعث أشقاهم الذي عقر الناقة، فقال لهم رسول اللّه صالح : احذروا ناقة اللّه وسقياها، وأطبق عليهم العذاب، ولم يترك منهم أحدا لأنهم رضوا عن فعل صاحبهم، واللّه لا يخاف عاقبة ما فعل بهم، لأنه عادل في حكمه وقوى قادر في عمله. (١)
التفسير والبيان :
يخبر اللَّه تعالى عن ثمود أنهم كذبوا رسولهم صالحا عليه السلام، بسبب ما كانوا عليه من الطغيان والبغي، فيقول : كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها، إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها أي كذبت قبيلة ثمود نبيها صالحا عليه السلام بسبب طغيانها وبغيها، فإنه الذي حملها على التكذيب.
والطغيان : مجاوزة الحد في المعاصي.
وذلك حين قام أشقى ثمود، وهو قدار بن سالف، أحيمر ثمود، فعقر الناقة، بتحريض قومه ورضاهم بما يفعل، فكان عقرها دليلا على تكذيبهم جميعا لنبيهم، وبرهانا على صدق رسالته إذ حلّ بهم العذاب الذي أوعدهم به.
ونظير الآية : فَنادَوْا صاحِبَهُمْ، فَتَعاطى فَعَقَرَ [القمر ٥٤/ ٢٩]. وكان أشقى ثمود عزيزا فيهم، شريفا في قومه، نسيبا رئيسا مطاعا، فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ، أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - ﷺ - يَقُولُ فِي خُطْبَتِهِ وَهُوَ يَذْكُرُ النَّاقَةَ، وَمَنْ عَقَرَهَا، فَقَالَ :﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا﴾ [الشمس] انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ النِّسَاءَ، فَقَالَ : أَلاَ لِمَ يَجْلِدُ أَحَدُكُمُ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ، وَلَعَلَّهُ يُضَاجِعُهَا فِي آخِرِ يَوْمِهِ ؟، ثُمَّ وَعَظَهُمْ فِي الضَّحِكِ مِنَ الضَّرْطَةِ، فَقَالَ : أَلاَ لِمَ يَضْحَكُ أَحَدُكُمْ مِمَّا يَفْعَلُ ؟. (٢)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - ﷺ - يَوْمًا، يَذْكُرُ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَهَا، فَقَالَ :"إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ، مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ". (٣)
ثم يذكر اللَّه تعالى ما توعدهم به رسولهم على فعلهم، فيقول :« فقال لهم رسول اللَّه : ناقة اللَّه، وسقياها » أي فقال لهم أي للجماعة الأشقياء النبي صالح عليه السلام : ذروا ناقة اللَّه واحذروا التعرض لها أو أن تمسوها بسوء، واتركوها وتناولها شربها من الماء المخصص لها، فإن لها شرب يوم، ولكم شرب يوم معلوم، ولا تتعرضوا لها يوم شربها.
فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها أي فكذبوه في تحذيره إياهم من العذاب، ولم يبالوا بما أنذرهم به من العقاب، فعقر الأشقى الناقة، وجميع قومه رضوا بما فعل. أو كذبوه فيما جاءهم به، فأعقبهم ذلك أن عقروا الناقة التي أخرجها اللَّه لهم من الصخرة آية لهم وحجة عليهم.

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٦٩)
(٢) - صحيح ابن حبان - (١٣ / ١١١) (٥٧٩٤) صحيح
(٣) - تفسير ابن أبي حاتم - (٦ / ٩٩) (٨٧٠٥) صحيح


الصفحة التالية
Icon