تَدْعُونا إِلَيْهِ مُرِيبٍ » (٦٢ : هود) وقد توعدهم نبيهم بالعذاب، وأنذرهم به، ووضع بين أيديهم آية من آيات اللّه، هى الناقة، وجعل وقوع العذاب الذي أنذروا به رهنا بأن يتعرضوا لتلك الناقة بسوء :« وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ، فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ » (٦٤ ـ ٦٥ هود) وقوله تعالى :« بطغواها » أي بسيب طغواها، أي بطغيانها، ومجاوزتها الحد فى العدوان على حرمات اللّه ـ كان تكذيبها برسول اللّه وبآيات اللّه..
وقوله تعالى :« إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها » أي ولقد بلغت ثمود غاية الطغيان والعدوان، حين « انبعث أشقاها » أي اندفع هذا الشقي من أبنائها فى جنون صارخ، نحو الناقة، يريد عقرها، فلم يقف فى طريقه أحد، ولم ينصح له ناصح، بل تركوه يمضى إلى حيث سوّلت له نفسه، عقر الناقة، فعقرها، فعمهم البلاء، جميعا، وكان صاحبهم هذا أشقى هؤلاء الأشقياء الذين تركوه، ولم يأخذوا على يده..
قوله تعالى :« فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ناقَةَ اللَّهِ وَسُقْياها » أي حين رأى صالح ما يريد هذا الشقي بالناقة من سوء، حذّر القوم من أن يرتكبوا هذه الحماقة المهلكة.. فقال لهم :« ناقة اللّه » أي احذروا ناقة اللّه، وإياكم أن تمسوها بسوء، أو تعرضوا لها يوم شربها، وأن تمنعوها السّقيا فى يومها المرسوم لها.. وقوله تعالى :«فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها »..
أي أنهم لم يستمعوا نصح صالح لهم، ولم يصدقوا ما أنذرهم به، ولم يأخذوا على يد هذا الشقي، بل تركوه حتى عقر الناقة! وقوله تعالى :« فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ » أي أخذهم اللّه جميعا بالعذاب، فلم يبق منهم باقية بسبب هذا الجرم الغليظ الذي كان منهم..
والدمدمة : الإهلاك لجماعى، الذي لا يبقى ولا يذر..
وقوله تعالى :« فسواها » أي أطبق عليهم الأرض، فلم يبق لهم ولا لديارهم أثر عليها، بل سويت الدور بالأرض، كأن لم يكن عليها شىء.. والضمير وهو « ها » فى قوله تعالى « فسواها » يعود إلى الأرض، التي يشير إليها قوله تعالى :« فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ » لأن الدمدمة، أي التسوية مما يفعل بالأرض، لا بالناس.
وقوله تعالى :« وَلا يَخافُ عُقْباها ».. أي أن اللّه سبحانه فعل بهم ما فعل، واقتلعهم من الأرض اقتلاعا، دون أن يحول بينه وبين ما فعل بهم حائل، أو يحاسبه محاسب.. إنه فعل ذلك بعدله وقوته، وسلطانه، الذي لا معقب عليه..
وذكر الخوف هنا تمثيل، يراد منه الإشارة إلى هذا التدمير الشامل، المتمكن، فإن الذي يخاف عاقبة أمر لا تتسلط عليه يده تسلطا كاملا، بل يحول بينه وبين تصرفه المطلق فيه، خوف الحساب والجزاء، ممن يحاسبه ويجازيه..