وتعالى اللّه سبحانه عن ذلك علوا كبيرا.. (١)
قال الشهاب : أي : لا يخاف عاقبتها كما يخاف الملوك عاقبة ما تفعله ؛ فهو استعارة تمثيلية لإهانتهم وأنهم أذلاء عند الله. فالضمير في ﴿ يَخَافُ ﴾ لله وهو الأظهر. ويجوز عوده للرسول - ﷺ - أي : أنه لا يخاف عاقبة إنذاره لهم وهو على الحقيقة، كما إذا قيل : الضمير للأشقى، أي : أنه لا يخاف عاقبة فعله الشنيع. والواو الحال أو الاستئناف.
قال ابن القيم في " مفتاح دار السعادة " : المقصود أن الآية أوجبت لهم البصيرة فآثروا الضلالة والكفر عن علم ويقين ؛ ولهذا - والله أعلم - ذكر قصتهم من بين قصص سائر الأمم في سورة ﴿ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا ﴾ لأنه ذكر فيها انقسام النفوس إلى الزكية الراشدة المهتدية وإلى الفاجرة الضالة الغاوية. وذكر فيها الأصلين : القدر والشرع. فقال :﴿ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴾ [ الشمس : ٨ ]، فهذا قدره وقضاؤه ثم قال :﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [ الشمس : ٩ ]، فهذا أمره ودينه. وثمود هداهم فاستحبوا العمى على الهدى. فذكر قصتهم ليبين سوء عاقبة من آثر الفجور على التقوى، والتدسية على التزكية. والله أعلم. (٢)
وقد وردت قصة ثمود ونبيها صالح عليه السلام في مواضع شتى من القرآن. وسبق الحديث عنها في كل موضع. وأقربها ما جاء في هذا الجزء في سورة « الفجر » فيرجع إلى تفصيلات القصة هناك.
فأما في هذا الموضع فهو يذكر أن ثمود بسبب من طغيانها كذبت نبيها، فكان الطغيان وحده هو سبب التكذيب. وتمثل هذا الطغيان في انبعاث أشقاها. وهو الذي عقر الناقة. وهو أشدها شقاء وأكثرها تعاسة بما ارتكب من الإثم. وقد حذرهم رسول الله قبل الإقدام على الفعلة فقال لهم. احذروا أن تمسوا ناقة الله أو أن تمسوا الماء الذي جعل لها يوماً ولهم يوماً كما اشترط عليهم عند ما طلبوا منه آية فجعل الله هذه الناقة آية ولا بد أنه كان لها شأن خاص لا نخوض في تفصيلاته، لأن الله لم يقل لنا عنه شيئاً فكذبوا النذير فعقروا الناقة.
والذي عقرها هو هذا الأشقى. ولكنهم جميعاً حملوا التبعة وعُدوا أنهم عقروها، لأنهم لم يضربوا على يده، بل استحسنوا فعلته. وهذا مبدأ من مبادئ الإسلام الرئيسية في التكافل في التبعة الاجتماعية في الحياة الدنيا. لا يتعارض مع التبعة الفردية في الجزاء الأخروي حيث لا تزر وازرة وزر أخرى. على أنه من الوزر إهمال التناصح والتكافل والحض على البر والأخذ على يد البغي والشر.
عندئذ تتحرك يد القدرة لتبطش البطشة الكبرى :﴿ فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ﴾..

(١) - التفسير القرآني للقرآن ـ موافقا للمطبوع - (١٥ / ١٥٨٦)
(٢) - محاسن التأويل تفسير القاسمي - (١٣ / ٢٣٦)


الصفحة التالية
Icon