وفي التفسير المنير :
"لما ذكر في سورة الشمس قبلها : قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها ذكر هنا من الأوصاف ما يحصل به الفلاح، وما تحصل به الخيبة بقوله تعالى : فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى.. فهي كالتفصيل لما قبلها.
ولما كانت سورة الليل نازلة في بخيل، افتتحت بالليل الذي هو ظلمة.
ما اشتملت عليه السورة :
في السورة تصنيف الناس حسب أعمالهم، وتنويه بصالح العمل وأصحابه، وتنديد بسيء العمل وأصحابه وإنذارهم. وفيها تنويه بمن يتزكّى بماله، وتنديد بالبخل والمنع. وأسلوبها كسابقتها من حيث دلالته على احتوائها عرضا عاما للدعوة وعلى تبكير نزولها قبل غيرها الذي احتوى مشاهد ومواقف حجاجية وتكذيبية. وبين السورتين من التوافق في المبنى والأسلوب والجرس ما يلهم أنهما نزلتا متتابعتين. (١)
* سورة الليل مكية، وهي تتحدث عن سعي الإنسان وعمله، وعن كفاحه ونضاله في هذه الحياة، ثم نهايته إلى النعيم أو إلى الجحيم.
* إبتدأت السورة الكريمة بالقسم بالليل إذا غشي الخليقة بظلامه، وبالنهار إذا أنار الوجود بإشراقه وضيائه، وبالخالق العظيم الذي أوجد النوعين الذكر والأنثى، أقسم على أن عمل الخلائق مختلف، وطريقهم متباين [ والليل إذا يغشى، والنهار إذا تجلى، وما خلق الذكر والأنثى، إن سعيكم لشتى ] الآيات.
* ثم وضحت السورة سبيل السعادة، وسبيل الشقاء، ورسمت الخط البياني لطالب النجاة، وبينت أوصاف الأبرار والفجار، وأهل الجنة وأهل النار [ فأما من أعطى وإتقى، وصدق بالحسنى، فسنيسره لليسرى، وأما من بخل واستغنى، وكذب بالحسنى، فسنيسره للعسرى ] الآيات.
* ثم نبهت إلى اغترار بعض الناس بأموالهم التي جمعوها، وثرواتهم التي كدسوها، وهي لا تنفعهم في يوم القيامة شيئا، وذكرتهم بحكمة الله في توضيحه لعباده طريق الهداية وطريق الضلالة [ وما يغني عنه ماله إذا تردى، إن علينا للهدى، وإن لنا للآخرة والأولى ] الآيات.
* ثم حذرت أهل مكة من عذاب الله وانتقامه، ممن كذب بآياته ورسله، وأنذرهم من نار حامية، تتوهج من شدة حرها، لا يدخلها ولا يذوق سعيرها إلا الكافر الشقي، المعرض عن هداية الله [ فأنذرتكم نارا تلظى، لا يصلاها إلا الأشقى، الذي كذب وتولى.