أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ؟ لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ. أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ؟.
فأما من أعطى بعض ما عنده وبذل ما في وسعه، واتقى اللّه ومحارمه، ونهى النفس عن الهوى، وصدق بالحسنى والفضيلة تصديقا قلبيا مقرونا بالعمل الخالص فاللّه يجزيه ويهديه وييسر له الخصلة اليسرى والفعلة الطيبة لأن قلبه قد ملئ بالنور، واعتاد الخير، وأما من بخل بما عنده واستغنى به عن الناس، فلم يعمل لهم خيرا ولم ينظر لهم، لأنه مغرور بما عنده، وكذب بالفضيلة فاللّه يجزيه ولا يهديه، وييسره دائما للفعلة العسرى التي فيها حتفه وهلاكه، فكان الأول من أهل الجنة، وكان الثاني من أهل النار.
من صدق بالحسنى وعمل لها فأعطى واتقى. يسره اللّه لأيسر الخطتين وأسهلهما في أصل الخلقة وهي خطة تكميل النفس بالكمال وفعل الصالحات لتسعد بمزاياها في الدنيا والآخرة، وهذا - كما يقولون - أصل العادة التعود، فإذا تعودت أولا فعل الخير أصبح عادة لك بتيسير اللّه وهذا معنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى والعكس صحيح فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى لأن من مرنت نفسه على فعل الشر، واستشرى معها الفساد فإن اللّه - على حسب سنته - يسهل له تلك الخطة العسرى وهي الخطة التي يحط فيها الإنسان من نفسه ويرتمى في أحضان الرذيلة، أو إذا تردى في قبره وسقط، فماذا يغنى عنه ماله ؟ ! (١)
التفسير والبيان :
وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى، وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى، وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى أي أقسم بالليل حين يغطي بظلامه كل ما كان مضيئا، وبالنهار متى ظهر وانكشف ووضح، لزوال ظلمة الليل، والقادر العظيم الذي خلق الذكر والأنثى من جميع الأجناس، من الناس وغيرهم، كقوله تعالى : وَخَلَقْناكُمْ أَزْواجاً [النبأ ٧٨/ ٨].
ولم يذكر مفعول يَغْشى للعلم به، وقيل : يغشى النهار، أو الخلائق أو الأرض أو كل شيء بظلمته.
إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى هذا هو المحلوف عليه جواب القسم، أي إن أعمال العباد مختلفة متباعدة، فمن فاعل خيرا، ومن فاعل شرا، وبعض الأعمال ضلال وبعضها هدى، وبعضها يوجب الجنة، وبعضها يوجب النار.
ويقرب من هذه الآية قوله تعالى : لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ [الحشر ٥٩/ ٢٠] وقوله : أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً، لا يَسْتَوُونَ [السجدة ٣٢/

(١) - التفسير الواضح ـ موافقا للمطبوع - (٣ / ٨٧١)


الصفحة التالية
Icon