والذكر والأنثى، هو مطلق كل ذكر، وكل أنثى، فى عالم المخلوقات.. والذكر والأنثى تتم دورة الحياة وتعاقب الأجيال، كما بالليل والنهار يتولد الزمن، وبتكاثر نسله من الليالى والأيام! وقوله تعالى :« إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى » هو جواب القسم، وهو المقسم عليه..
والسعى : العمل فى كل وجه من وجوه الحياة.. « وشتّى » أي شتيت مختلف الوجوه، متغاير الألوان.. فلكل إنسان وجهته التي هو مولّيها، وطريقه الذي يسلكه، وهيهات أن يتطابق إنسان وإنسان تطابقا تاما، حتى ولو أخذا وجها واحدا، ودانا بدين واحد..
ففى الناس المؤمن والكافر، وفى الناس المنافق الذي يجمع بين الكفر ولإيمان.. والمؤمنون، درجات، ومنازل، والكافرون، أنماط وصور، والمنافقون وجوه وأشكال..
واختلاف سعى الناس، أمر بدهىّ، يراه كل إنسان : المؤمنون والكافرون، والمحسنون والمسيئون جميعا.. فكل ذى عينين يشهد أن الناس طرائق قدد، وإلّا لاجتمعوا على عقيدة واحدة، ومذهب واحد، واتجاه واحد، فيما يأخذون أو يدعون من أمور.. هذه بديهة لا تحتاج إلى توكيد ـ فلم جاءت الآيات القرآنية مؤكدة لها بهذا القسم ؟
والجواب على هذا، هو أن التوكيد بالقسم وإن وقع على المقسم عليه، وهو اختلاف سعى الناس ـ إلا أن المنظور إليه هو ما وراء هذا الاختلاف فى المسعى، وهو أن هناك محسنين ومسيئين.. وهذا أمر يدعو العاقل إلى أن ينظر إلى نفسه وأن يفتش عن مكانه فى المحسنين أو المسيئين، إذ كل إنسان عند نفسه أنه محسن، وحتى المحسن حقيقة، يقدر أن إحسانه مطلق لا تقع منه إساءة، وهذا غير واقع، فالمحسن ليس سعيه كله قائما على ميزان الإحسان، بل إن سعيه مختلف، فيه الحسن، وفيه السيّء، فلا ينبغى أن يسوّى حساب أعماله بينه وبين نفسه على ميزان الإحسان دائما.. بل يجب أن ينظر فى كل عمل، ويعرضه على ميزان الحق، والعدل، والخير، فإن اطمأن إليه، ورضى عنه، أمضاء، وإلا عدل عنه. قوله تعالى :« فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى ». والناس فى عمومهم، يدخلون تحت وصفين عامّين : مؤمنون وكافرون، أو محسنون ومسيئون..
فأما من أعطى، أي أنفق فى سبيل اللّه، وفى وجوه الخير والإحسان، متّقيا بذلك ربّه، خائفا عذابه، طامعا فى ثوابه « وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى » أي مؤمنا بما للعمل الطيب من قدر، معتقدا أنه العمل الأفضل والأحسن، لا أن يكون ما يصدر منه من أعمال الخير تلقائيا، وعفوا، لا تشده إليه إرادة صادقة، أو قصد محسوب حسابه، مقدرة آثاره.. وهذا يعنى أن الأعمال إنما تحكمها النيات الباعثة لها، الداعية إليها.. أما العمل الذي لا تنعقد عليه نية، ولا ينطلق من إرادة، فإنه سهم طائش، ورمية من غير رام.. وهذا ما يشير إليه الرسول الكريم بقوله :
« إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرى ما نوى »..


الصفحة التالية
Icon