كالظباء في كناسها وتبرز، وعن الليل وكأنه حي يعس في الظلال، والصبح وكأنه حي يتنفس بالنور :﴿ فلا أقسم بالخنس. الجوار الكنس؛ والليل إذا عسعس. والصبح إذا تنفس ﴾ وفي عرضه لمشاهد الغروب والليل والقمر :﴿ فلا أقسم بالشفق، والليل وما وسق، والقمر إذا اتسق ﴾ أو لمشاهد الفجر والليل وهو يتمشى ويسري :﴿ والفجر. وليال عشر. والشفع والوتر. والليل إذا يسر ﴾ ﴿ والضحى. والليل إذا سجى ﴾ وفي خطابه الموحي للقلب البشري :﴿ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم؟ الذي خلقك فسواك فعدلك.. ﴾ وفي وصف الجنة :﴿ وجوه يومئذ ناعمة، لسعيها راضية، في جنة عالية، لا تسمع فيها لاغية.. ﴾ ووصف النار :﴿ وأما من خفت موازينه فأمه هاوية. وما أدراك ماهيه؟ نار حامية! ﴾ والأناقة في التعبير واضحة وضوح القصد في اللمسات الجمالية لمشاهد الكون وخوالج النفس.
والعدول أحياناً عن اللفظ المباشر إلى الكناية، وعن اللفظ القريب إلى الاشتقاق البعيد، لتحقيق التنغيم المقصود، مما يؤكد هذه اللفتة خلال الجزء كله على وجه التقريب..
وهذه السورة نموذج لاتجاه هذا الجزء بموضوعاته وحقائقه وإيقاعاته ومشاهده وصوره وظلاله وموسيقاه ولمساته في الكون والنفس، والدنيا والآخرة؛ واختيار الألفاظ والعبارات لتوقع أشد إيقاعاتها أثراً في الحس والضمير.
وسورة « الانفطار » كذلك في عرض مشاهد الانقلاب مع مشاهد النعيم والعذاب، وهز الضمير البشري أمام هذه وتلك :﴿ يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم... الخ ﴾ وسورة « الانشقاق » وهي تعرض مشاهد الانقلاب الكوني ومشاهد النعيم والعذاب.. وسورة « البروج » وهي تلقي إيقاعات سريعة حول مشاهد الكون ومشاهد اليوم بصدد إشارة إلى تعذيب الكفار لجماعة من المؤمنين في الدنيا بالنار. وعذاب الله لأولئك الكفار في الآخرة بالنار. وهو أشد وأنكى..
وسورة « الطارق ».. وهي تعرض مشاهد كونية مع نشأة الإنسان ونشأة النبات للقسم بالجميع :﴿ إنه لقول فصل، وما هو بالهزل ﴾ وسورة « الأعلى » وتتحدث عن الخلق والتسوية والتقدير والهداية، وإخراج المرعى وأطواره تمهيداً للحديث عن الذكر والآخرة والحساب والجزاء.. وسورة « الغاشية ».. وهي تصوير لمشاهد النعيم والعذاب. ثم توجيه إلى خلق الإبل والسماء والأرض والجبال.. وهكذا.. وهكذا.. إلى نهاية الجزء باستثناء سور قليلة تتحدث عن حقائق العقيدة ومنهج الإيمان. كسورة الإخلاص. وسورة الكافرون. وسورة الماعون. وسورة العصر. وسورة القدر. وسورة النصر. أو تسري عن رسول الله