وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣) وقوة التلقين والدلالة في هذه الآيات قوية أخّاذة.
هذا ولقد روى بعض المفسرين في سياق آية وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى (٧) أنها إشارة إلى أن النبي - ﷺ - قد تاه في طفولته في جبال مكة فقلق عليه جده وبحث عنه طويلا حتى وجده ولم يصب بسوء. ونحن نشك في الرواية كل الشك، لأنّ الحادث الذي ذكرته أتفه من أن يكون موضوع ذكر وتذكير، فضلا عن عدم وثوقها وعن التوجيه الصحيح الذي قررناه والذي تسنده آيات القرآن. (١)
يقسم الله سبحانه بهذين الآنين الرائقين الموحيين. فيربط بين ظواهر الكون ومشاعر النفس. ويوحي إلى القلب البشري بالحياة الشاعرة المتجاوبة مع هذا الوجود الجميل الحي، المتعاطف مع كل حي. فيعيش ذلك القلب في أنس من هذا الوجود، غير موحش ولا غريب فيه فريد.. وفي هذه السورة بالذات يكون لهذا الأنس وقعه. فظل الأنس هو المراد مده. وكأنما يوحي الله لرسوله - ﷺ - منذ مطلع السورة، أن ربه أفاض من حوله الأنس في هذا الوجود، وأنه من ثم غير مجفوّ فيه ولا فريد!
وبعد هذا الإيحاء الكوني يجيء التوكيد المباشر :﴿ ما ودعك ربك وما قلى ﴾.. ما تركك ربك ولا جفاك كما زعم من يريدون إيذاء روحك وإيجاع قلبك وإقلاق خاطرك.. وهو ﴿ ربك ﴾ وأنت عبده المنسوب إليه، المضاف إلى ربوبيته، وهو راعيك وكافلك..
وما غاض معين فضله وفيض عطائه. فإن لك عنده في الآخرة من الحسنى خيراً مما يعطيك منها في الدنيا :﴿ وللآخرة خير لك من الأولى ﴾.. فهو الخير أولاً وأخيراً..
وإنه ليدخر لك ما يرضيك من التوفيق في دعوتك، وإزاحة العقبات من طريقك، وغلبة منهجك، وظهور حقك.. وهي الأمور التي كانت تشغل باله - ﷺ - وهو يواجه العناد والتكذيب والأذى والكيد.. والشماتة.. ﴿ ولسوف يعطيك ربك فترضى ﴾..
ويمضي سياق السورة يذكر الرسول - ﷺ - ما كان من شأن ربه معه منذ أول الطريق. ليستحضر في خاطره جميل صنع ربه به، ومودته له، وفيضه عليه، ويستمتع باستعادة مواقع الرحمة والود والإيناس الإلهي. وهو متاع فائق تحييه الذكرى على هذا النحو البديع :﴿ ألم يجدك يتيماً فآوى؟ ووجدك ضالاً فهدى. ووجدك عائلاً فأغنى؟ ﴾..
انظر في واقع حالك، وماضي حياتك.. هل ودعك ربك وهل قلاك حتى قبل أن يعهد إليك بهذا الأمر؟ ألم تحط يتمك رعايته؟ ألم تدرك حيرتك هدايته؟ ألم يغمر فقرك عطاؤه؟