زَمْزَمَ، ثُمَّ لَأَمَهُ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالُوا : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ : قَدْ كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ - ﷺ -."
وفي رواية عَنْ أَنَسٍ : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - ﷺ - أَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَأَخَذَهُ، فَصَرَعَهُ، فَشَقَّ قَلْبَهُ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ، ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ، فَجَاءَهُ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ - يَعْنِي ظِئْرَهُ - فَقَالَ : إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ، فَاسْتَقْبَلُوهُ مُنْتَقِعَ اللَّوْنِ. قَالَ أَنَسٌ : كُنْتُ أَرَى أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ - ﷺ -. (١)
والخلاصة من حديث شق الصدر : أن جبريل عليه السلام أتى محمدا - ﷺ - في صغره، وشق صدره، وأخرج قلبه وغسله وأنقاه من المعاصي، ثم ملأه علما وإيمانا، ووضعه في صدره.
وقد طعن بعضهم في هذه الرواية لأن هذه الواقعة حدثت في حال الصغر، وذلك من المعجزات، فلا يجوز أن تتقدم نبوته، ولأن تأثير الغسل في إزالة أوساخ الأجسام، والمعاصي ليست بأجسام، فلا يكون للغسل فيها أثر، ولأنه لا يصح أن يملأ القلب علما، بل اللَّه تعالى يخلق فيه العلوم.
وأجاب الإمام فخر الدين الرازي عن ذلك بأن هذا يسمى الإرهاص، وهو مقدمات النبوة وبشائرها، ومثله في حق الرسول - ﷺ - كثير، ولا يبعد أن يكون غسل الدم الأسود من قلب الرسول - ﷺ - علامة للقلب الذي يميل إلى المعاصي، ويحجم عن الطاعات، فإذا أزالوه كان ذلك كالعلامة على كون صاحبه معصوما، مواظبا على الطاعات، محترزا عن السيئات، وأيضا فلأن اللَّه تعالى يفعل ما يشاء، ويحكم ما يريد (٢).
وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ أي حططنا عنك ما كنت تتصور من وجود ذنوب ومعاص أثقلت كاهلك، وأتعبت نفسك، سواء قبل النبوة أم بعدها مما تفعله خلاف الأولى، وهو لا يتفق مع سمو قدرك، ورفعة منزلتك، وعلو شأنك، كالإذن لبعض المنافقين بالتخلف عن الجهاد في موقعة تبوك، وقبول الفداء من أسرى بدر، والعبوس في وجه الأعمى.
و قيل : المراد حططنا عنك حمل أعباء النبوة والرسالة، فسهلناها عليك، حتى تيسرت لك.

(١) - صحيح ابن حبان - (١٤ / ٢٤٣) (٦٣٣٤و٦٣٣٦) وصحيح مسلم -(٤٣١ )
المخيط : الإبرة -الظئر : المرضعة غير ولدها ويقع على الرجل والمرأة -العلقة : الدم الغليظ المنعقد -لأمه : ضم بعضه إلى بعض -المنتقع : المتغير اللون
(٢) - تفسير الرازي : ٣٢/ ٢
قلت : إذا صح الخبر لا يجوز ردُّهُ إلا إذا كان هناك خبر أقوى منه وعجزنا عن الجمع بينهما


الصفحة التالية
Icon