وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ أي أقبل على اللَّه، واجعل رغبتك إلى اللَّه وحده، وتضرع إليه راهبا من النار، راغبا في الجنة، ولا تطلب ثواب عملك إلا من اللَّه، فإنه الجدير بالتوجه والتضرع إليه، وبالتوكل عليه.
ومضات :
عن مجاهد : أي : لا أذْكَر إلا ذكرتَ معي. قال الشهاب وهذا - أي : المأثور عن مجاهد - إن أخذ كلية خالف الواقع ؛ فإنه كم ذكر الله وحده ! وكم ذكر الرسول - ﷺ - وحده ! وإن عيِّن موضعاً فهو ترجيح بلا مرجح، وإن جعلت القضية مهملة، فلا يخفى ما في الإهمال من الركاكة.
قال : وقد أمعنت فيه النظر فلم أر ما يثلج الصدر، ويردّ السائل غير صفر، حتى لاح لي أن الجواب الحق أن يقال : الذكر محمول على الذِّكر في مجامع العبادة ومشاهدها ؛ فإن ذكره - ﷺ - مقرون بذكره فيها في الواقع في الصلوات والخطب، فلا ترى مشهداً من مشاهد الإسلام إلا وهو كذلك، فلا ينفك ذكره - ﷺ - عن ذكره تعالى في يوم من الأيام، ولا ليلة من الليالي بل ولا في وقت من الأوقات المعتدّ بها، فتتجه الكلية. فإن قلت : من أين لك هذا التقييد، فهل هو إلا ترجيح من غير مرجح ؟ قلت : المقام ناطق بهذا القيد ؛ فإن المراد التنويه بذكره - ﷺ - وإشاعة قدره الدال على ُقربه - ﷺ - من ربه، كقرب اسمه من اسمه، وإنما يكون هذا بذكره في المحافل والمشاهد والجوامع والمساجد، وأيُّ إشاعة أقوى من الآذان ؟ لا في الأسواق والطرق التي يطرح فيها كل ذكر.
ثم قال : واعلم أن تحقيق هذا المقام ما قالهُ الإمام الشافعيّ في أول " رسالته الجديدة " وبينهُ السبكيّ في تعليقه على الرسالة فقال رحمه الله تعالى : قال الإمام رضي الله تعالى عنه، عن مجاهد في تفسير الآية : لا أذْكر إلا ذكِرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله. قال الشافعي : يعني ذكره عند الإيمان بالله والأذان، ويحتمل ذكرهُ عند تلاوة القرآن وعند العمل بالطاعة والوقوف عن المعصية.
قال السبكيّ : هذا الاحتمال من الشافعيّ جيد جداً، وهو مبني على أن المراد بالذكر، الذكر بالقلب، وهو صحيح، فعلى هذا يعم ؛ لأن الفاعل للطاعة أو الكافّ عن المعصية امتثالاً لأمر الله تعالى به، ذاكراً للنبي - ﷺ - بقلبه ؛ لأنه المبلغ لها عن الله، هذا أعم من الذكر باللسان، فإنه مقصور على الإسلام والأذان والتشهد والخطبة ونحوها. قال الشافعيّ : فلم تُمْسِ بنا نعمة ظهرت ولا بطنت، نلنا بها حظاً في دِين أو دنيا، أو رُفع عنا بها مكروه فيهما أو في واحد منهما، إلا ومحمد - ﷺ - سببها ؛ فعلم من هذا أنه إن أبقى العموم والحصر على ظاهره، حمل