وفي هذا تلقين جليل مستمر المدى دون ريب، حيث يمد كل صاحب دعوة إلى سبيل اللّه والخير العام بقوة الروح، وسكينة النفس وطمأنينة القلب والاندفاع فيما هو بسبيله، واقتحام صعابه وعقباته وتحمل العناء، راضيا مطمئنا إلى أن يصل إلى هدفه، ويكون له بعد العسر يسر إذا ما تشبع قلبه بالإيمان، وامتلأ بعظمة اللّه واتجه إليه وحده واستصغر كل ما عداه. (١)
﴿ ألم نشرح لك صدرك؟ ﴾.. ألم نشرح صدرك لهذه الدعوة؟ ونيسر لك أمرها؟. ونجعلها حبيبة لقلبك، ونشرع لك طريقها؟ وننر لك الطريق حتى ترى نهايته السعيدة!
فتش في صدرك ألا تجد فيه الروْح والانشراح والإشراق والنور؟ واستعد في حسك مذاق هذا العطاء، وقل : ألا تجد معه المتاع مع كل مشقة والراحة مع كل تعب، واليسر مع كل عسر، والرضى مع كل حرمان؟
﴿ ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ﴾.. ووضعنا عنك عبئك الذي أثقل ظهرك حتى كاد يحطمه من ثقله.. وضعناه عنك بشرح صدرك له فخف وهان. وبتوفيقك وتيسيرك للدعوة ومداخل القلوب.. وبالوحي الذي يكشف لك عن الحقيقة ويعينك على التسلل بها إلى النفوس في يسر وهوادة ولين.
ألا تجد ذلك العبء الذي أنقض ظهرك؟ ألا تجد عبئك خفيفاً بعد أن شرحنا لك صدرك؟
﴿ ورفعنا لك ذكرك ﴾.. رفعناه في الملأ الأعلى، ورفعناه في الأرض، ورفعناه في هذا الوجود جميعاً.. رفعناه فجعلنا اسمك مقروناً باسم الله كلما تحركت به الشفاه :
« لا إله إلا الله. محمد رسول الله ».. وليس بعد هذا رفع، وليس وراء هذا منزلة. وهو المقام الذي تفرد به - ﷺ - دون سائر العالمين..
ورفعنا لك ذكرك في اللوح المحفوظ، حين قدر الله أن تمر القرون، وتكر الأجيال، وملايين الشفاه في كل مكان تهتف بهذا الاسم الكريم، مع الصلاة والتسليم، والحب العميق العظيم.
ورفعنا لك ذكرك. وقد ارتبط بهذا المنهج الإلهي الرفيع. وكان مجرد الاختيار لهذا الأمر رفعة ذكر لم ينلها أحد من قبل ولا من بعد في هذا الوجود..
فأين تقع المشقة والتعب والضنى من هذا العطاء الذي يمسح على كل مشقة وكل عناء؟
ومع هذا فإن الله يتلطف مع حبيبه المختار، ويسري عنه، ويؤنسه، ويطمئنه ويطلعه على اليسر الذي لا يفارقه :﴿ فإن مع العسر يسرا. إن مع العسر يسرا ﴾..