وهي تفتتح بسؤال موح مثير للاستهوال والاستعظام وتضخيم الحقيقة التي يختلفون عليها، وهي أمر عظيم لا خفاء فيه، ولا شبهة؛ ويعقب على هذا بتهديدهم يوم يعلمون حقيقته :﴿ عم يتساءلون؟ عن النبأ العظيم، الذي هم فيه مختلفون. كلا سيعلمون. ثم كلا سيعلمون! ﴾ ومن ثم يعدل السياق عن المعنى في الحديث عن هذا النبأ ويدعه لحينه، ويلفتهم إلى ما هو واقع بين أيديهم وحولهم، في ذوات أنفسهم وفي الكون حولهم من أمر عظيم، يدل على ما وراءه ويوحي بما سيتلوه :﴿ ألم نجعل الأرض مهاداً، والجبال أوتاداً؟ وخلقناكم أزواجاً؟ وجعلنا نومكم سباتاً؟ وجعلنا الليل لباساً، وجعلنا النهار معاشاً؟ وبنينا فوقكم سبعاً شداداً؟ وجعلنا سراجاً وهاجاً؟ وأنزلنا من المعصرات مآء ثجاجاً؟ لنخرج به حباً ونباتاً وجنات ألفافاً؟ ﴾.
ومن هذا الحشد من الحقائق والمشاهد والصور والإيقاعات يعود بهم إلى ذلك النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون، والذي هددهم به يوم يعلمون! ليقول لهم ما هو؟ وكيف يكون :﴿ إن يوم الفصل كان ميقاتاً. يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً. وفتحت السمآء فكانت أبواباً. وسيرت الجبال فكانت سراباً ﴾..
ثم مشهد العذاب بكل قوته وعنفه :﴿ إن جهنم كانت مرصاداً، للطاغين مآباً، لابثين فيهآ أحقاباً، لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً. إلا حميماً وغساقاً. جزآء وفاقاً. إنهم كانوا لا يرجون حساباً، وكذبوا بآياتنا كذاباً، وكل شيء أحصيناه كتاباً. فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً ﴾..
ومشهد النعيم كذلك وهو يتدفق تدفقاً :﴿ إن للمتقين مفازاً : حدائق وأعناباً، وكواعب أتراباً. وكأساً دهاقاً، لا يسمعون فيها لغواً ولا كذاباً. جزاء من ربك عطاء حساباً ﴾.
وتختم السورة بإيقاع جليل في حقيقته وفي المشهد الذي يعرض فيه. وبإنذار وتذكير قبل أن يجيء اليوم الذي يكون فيه هذا المشهد الجليل :﴿ رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون منه خطاباً. يوم يقوم الروح والملائكة صفاً لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً. ذلك اليوم الحق. فمن شآء اتخذ إلى ربه مآباً. إنآ أنذرناكم عذابا قريباً. يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر يا ليتني كنت تراباً ﴾..
ذلك هو النبأ العظيم. الذي يتساءلون عنه. وذلك ما سيكون يوم يعلمون ذلك النبأ العظيم! (١)
- - - - - - - - - - -

(١) - في ظلال القرآن - (٧ / ٤٣٢)


الصفحة التالية
Icon