٩- وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً، لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَباتاً، وَجَنَّاتٍ أَلْفافاً، أي وأنزلنا من السحب والغيوم التي تنعصر بالماء ولم تمطر بعد مطرا منصبا بكثرة، كثير السيلان، لنخرج بذلك الماء الكثير الطيب النافع حَبًّا يقتات به الناس، كالحبوب المختلفة من قمح وشعير وذرة وأرز، ونباتا تأكله الدواب من التبن والحشيش وسائر النبات، وبساتين وحدائق ذات بهجة وأغصان ملتفة على بعضها وثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة، وإن كان ذلك في بقعة واحدة، كما قال تعالى : وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ، وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ، وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ، يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ، وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ، إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ [الرعد ١٣/ ٤].
والثج : الصب الكثير المتتابع، فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَرْبُوعٍ عَنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِىَّ - ﷺ - سُئِلَ أَىُّ الْحَجِّ أَفْضَلُ قَالَ « الْعَجُّ وَالثَّجُّ » (١). أي رفع الصوت بالتلبية، وصب دماء البدن أو الهدي وإراقتها. (٢)
ومضات :
في هذه الآيات :
١ - سؤال عمّا يتساءل الناس عن صحته من الخبر العظيم العجيب واختلافهم في شأنه.
٢ - وتوكيد قوي بأن المتسائلين لا بدّ من أن يروه حقيقة ويعلموا صحته.
٣ - وسؤال في معنى التدليل على قدرة اللّه على ذلك في تقرير مشاهد عظمة اللّه في كونه ونواميسه. فهو الذي جعل الأرض ممهدة صالحة للسير والاستقرار.
وأقام فوقها رواسي الجبال كالأوتاد. وخلق الخلق أصنافا. وجعل النوم انقطاعا عن الحركة، والليل ظرفا للراحة والسكون، والنهار للسعي والحركة والارتزاق.
وبنى فوق الأرض سبع سموات عظمى. وجعل فيها سراجا شديد الحرارة والنور.
وأنزل من السحب الماء المدرار فأخرج به الحبّ والنبات وجنّات الأشجار المتكاثفة.
وروح الآيات تلهم أن الضمير في يَتَساءَلُونَ ومُخْتَلِفُونَ وسَيَعْلَمُونَ عائد إلى الكفار. وقد قال المفسرون إن النبأ العظيم يمكن أن يكون البعث والحساب ويمكن أن يكون أمر النبوّة. ويمكن أن يكون القرآن. بل ذكر البغوي عزوا إلى مجاهد أن الأكثرين على أنه القرآن. وقد رجّح ابن كثير أنه يوم القيامة.
والأقوال الثلاثة واردة على كل حال وإن كنّا نميل إلى ترجيح القول الأول وقد يكون في الآيات التالية تأييد لهذا الترجيح.

(١) - سنن الترمذى- المكنز -(٨٣٥ ) صحيح
(٢) - التفسير المنير ج ٣٠، ص : ١١


الصفحة التالية
Icon