وراء المادة.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى » (٤٢ : الزمر) وقوله سبحانه :«وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ » (٦٠ : الأنعام) قوله تعالى :« وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً ». أي ومن فيض قدرته ـ سبحانه ـ ومن تدبير حكمته، أنه جعل الليل لباسا، أي ساترا، يستر الكائنات، كما يستر الثوب الجسد، ويرخى على الأحياء سترا يمسك حواسها المنطلقة أثناء النهار، ليعطيها فرصتها من الراحة والسكون، وليتيح للقوى المندسة فى كيان الإنسان، من مدركات ـ وعواطف، ومشاعر ـ أن تنطلق، لتجد وجودها كاملا، وبهذا يحدث التوازن بين كل القوى المتزاوجة فى الإنسان.. بين جسده وروحه، بين مادياته ومعنوياته، بين حركته وسكونه، بين يقظته ونومه..
قوله تعالى :« وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً » المعاش : الحياة.. وسميت الحياة معاشا باسم سببها، وهو العيش الذي لا حياة لحىّ إلا بما يتبلغ به من طعام..
أي ومن قدرة اللّه سبحانه، ومن فيض فضله ورحمته، أن جعل النهار مبصرا، ليرى الأحياء فيه مواقع معاشهم، ووسائل كسبهم..
قوله تعالى :« وَبَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً » السبع الشداد، السموات السبع.. ووصف السموات بأنها شداد، إشارة إلى ما يبدو لنا من قيامها سقفا مرفوعا فوقنا، دون أن تسقط علينا، وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّماءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْناها وَزَيَّنَّاها وَما لَها مِنْ فُرُوجٍ » (٦ : ق) وقوله تعالى :« وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ » (٤٧ : الذاريات) وأمّا القول بأنها الكواكب السبعة، فغير صحيح، لأن الكواكب ليست سبعة، وإنما الذي عرف منها إلى الآن تسع، وهناك كواكب كثيرة لم تكتشف بعد، وقد تبلغ المئات عدّا..
وأصحّ من هذا أن يقال إنها الطرائق السبع، التي ذكرها اللّه سبحانه وتعالى فى قوله :« وَلَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ وَما كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غافِلِينَ » (١٧ : المؤمنون) وهى أطباق السموات السبع، كما يقول سبحانه :« الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً » (٣ : الملك) قوله تعالى :« وَجَعَلْنا سِراجاً وَهَّاجاً » والسراج الوهاج، هو الشمس، ووصف السراج بأنه وهاج، إشارة إلى توهج الشمس وتوقدها، فهى كرة من نار، متّقدة..
قوله تعالى :« وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجَّاجاً » المعصرات : هى السحب التي يتحلب منها الماء، أشبه بالثوب المبلول، يعتصر، فيتساقط الماء منه.. وفى وصف السحب بأنها معصرات، إشارة إلى أن الماء الذي تحمله متلبس بها، مندسّ فى كيانها، بل هى فى حقيقتها ماء، ووعاء.. معا.. والثجاج أو السحاح. المتدفق.


الصفحة التالية
Icon