هم اليهود الذين كانوا في المدينة وكان ذلك منهم في العهد المدني. وهناك آيات مدنية عديدة تلهم أن فئات من النصارى ناظروا النبي ولم يؤمنوا. وإن منهم من كان يصدّ عن سبيل اللّه. وقد مرّ بعضها في سور البقرة وآل عمران والنساء وبعضها في سورتي المائدة والتوبة.
وقد روى المفسرون للسورة أسماء أخرى وهي (لم يكن) و(البرية) و(القيّمة) (١)
هذه السورة معدودة في المصحف وفي أكثر الروايات أنها مدنية. وقد وردت بعض الروايات بمكيتها. ومع رجحان مدنيتها من ناحية الرواية، ومن ناحية أسلوب التعبير التقريري، فإن كونها مكية لا يمكن استبعاده. وذكر الزكاة فيها وذكر أهل الكتاب لا يعتبر قرينة مانعة. فقد ورد ذكر أهل الكتاب في بعض السور المقطوع بمكيتها. وكان في مكة بعض أهل الكتاب الذين آمنوا، وبعضهم لم يؤمنوا. كما أن نصارى نجران وفدوا على الرسول - ﷺ - في مكة وآمنوا كما هو معروف. وورد ذكر الزكاة كذلك في سور مكية.
والسورة تعرض عدة حقائق تاريخية وإيمانية في أسلوب تقريري هو الذي يرجح أنها مدنية إلى جانب الروايات القائلة بهذا.
والحقيقة الأولى هي أن بعثة الرسول - ﷺ - كانت ضرورية لتحويل الذين كفروا من أهل الكتاب ومن المشركين عما كانوا قد انتهوا إليه من الضلال والاختلاف، وما كانوا ليتحولوا عنه بغير هذه البعثة :﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة : رسول من الله يتلو صحفاً مطهرة، فيها كتب قيمة ﴾..
والحقيقة الثانية : أن أهل الكتاب لم يختلفوا في دينهم عن جهالة ولا عن غموض فيه، إنما اختلفوا من بعد ما جاءهم العلم وجاءتهم البينة :﴿ وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ﴾.
والحقيقة الثالثة : أن الدين في أصله واحد، وقواعده بسيطة واضحة، لا تدعو إلى التفرق والاختلاف في ذاتها وطبيعتها البسيطة اليسيرة :﴿ وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، وذلك دين القيمة ﴾.
والحقيقة الرابعة : أن الذين كفروا بعد ما جاءتهم البينة هم شر البرية، وأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات هم خير البرية. ومن ثم يختلف جزاء هؤلاء عن هؤلاء اختلافاً بيناً :﴿ إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيهآ. أولئك هم شر البرية. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، جزآؤهم عند ربهم جنات عدن تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، رضى الله عنهم ورضوا عنه، ذلك لمن خشي ربه ﴾..