وأما المشركون، فقد اغتال جهلهم وضلالهم كل معانى الحق، التي تركها فيهم أنبياؤهم الأولون، كهود، وصالح، وإبراهيم، وإسماعيل، عليهم السلام..
فانتهى بهم الأمر إلى الشرك باللّه، وعبادة الأصنام من دون اللّه.
ومجمل معنى الآية الكريمة : أن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركون لن تنحلّ منهم هذه الرابطة الوثيقة التي جمعت بينهم على الكفر والضلال، حتى تأتيهم البينة.. فإذا أتتهم البينة تقطع ما بينهم، وانحلت وحدتهم، وأخذ كلّ الطريق الذي يختاره..
و« البينة » هى ما أشار إليها قوله تعالى :« رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً » فالرسول صلوات اللّه وسلامه عليه ـ هو « البينة »، أي البيان المبين، الذي يبين طريق الحقّ بما يتلو من آيات اللّه على الناس..
وفى جعل الرسول هو البينة ـ مع أن البينة هى آيات اللّه ـ إشارة إلى أن الرسول الكريم، هو فى ذاته بينة، وهو آية من آيات اللّه، فى كماله، وأدبه، وعظمة خلقه، حتى لقد كان كثير من المشركين يلقون النبي لأول مرة فيؤمنون به، قبل أن يستمعوا إلى آيات اللّه منه، وقبل أن يشهدوا وجه الإعجاز فيها..
وأنه ليكفى أن يقول لهم إنه رسول اللّه، فيقرءون آيات الصدق فى وجهه وفى وقع كلماته على آذانهم.. وقد آمن المؤمنون الأولون، ولم يكن قد نزل من القرآن قدر يعرفون منه أحكام الدين، ومبادئه، وأخلاقياته.. بل إن إيمانهم كان استجابة لما دعاهم إليه رسول اللّه، لأنه لا يدعو ـ كما عرفوه وخبروه ـ إلا إلى خير وحق.
والصحف المطهرة، هى آيات القرآن الكريم، التي يتلوها الرسول الكريم، كما أوحاها إليه ربه، وكما تلقاها من رسول الوحى، على ما هى عليه فى صحف اللوح المحفوظ، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :« كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ، فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ، فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ، مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ، بِأَيْدِي سَفَرَةٍ، كِرامٍ بَرَرَةٍ » (١١ ـ ١٦ : عبس).
وطهارة هذه الصحف، هو نقاء آياتها، وصفاؤها، من كل سوء.. فهى حق خالص، وكمال مطلق.. « إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ، لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ».(٤٢ : فصلت).
وقوله تعالى :« فِيها كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ». والكتب القيمة التي فى هذه الصحف، هى الكتب التي نزلت على أنبياء اللّه ورسله، كصحف إبراهيم وموسى.. كما يقول سبحانه :« إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (١٨ ـ ١٩ : الأعلى).
فالقرآن الكريم جمع ما تفرق فيما أنزل اللّه من كتب على أنبيائه، فكان به تمام دين اللّه، الذي هو الإسلام، كما يقول سبحانه :« إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ » (١٩ : آل عمران).


الصفحة التالية
Icon