سورة الزلزلة مدنية، وهي في أسلوبها تشبه السور المكية، لما فيها من أهوال وشدائد يوم الفيامة، وهي هنا تتحدث عن الزلزال العنيف الذي يكون بين يدي الساعة، حيث يندك كل صرح شامخ، وينهار كل جبل راسخ، ويحصل من الأمور العجيبة الغريبة، ما يندهش له الإنسان، كإخراج الأرض ما فيها من موتى، وإلقائها ما في بطنها، من كنوز ثمينة من ذهب وفضة، وشهادتها على كل إنسان بما عمل على ظهرها، تقول : عملت يوم كذا، كذا وكذا، وكل هذا من عجائب ذلك اليوم الرهيب، كما تتحدث عن إنصراف الخلائق من أرض المحشر، إلى الجنة أو النار، وإنقسامهم إلى فريقين ما بين شفي وسعيد [ فريق في الجنة، وفريق في السعير ]. (١)
وقال ابن عاشور : فيها إثبات البعث وذكر أشراطه وما يعتري الناس عند حدوثها من الفزع.
وحضور الناس للحشر وجزائهم على أعمالهم من خير أو شر وهو تحريض على فعل الخير واجتناب الشر. (٢)
في السورة إنذار بيوم القيامة وهوله وحسابه. وحثّ على الخير وتحذير من الشرّ بصورة عامة. ومن المفسّرين من روى مكيتها وحسب ومنهم من قال إنها من المختلف على مكيته ومدنيته بسبب تعدّد الروايات والطابع المكي قويّ البروز عليها بحيث يسوغ ترجيح مكيّتها إن لم نقل الجزم بذلك، بل ويلهم أنها من السور المبكرة في النزول. وتكاد تكون هي وسورة القارعة المتفق على مكيتها ونزولها مبكرة صورتين متماثلتين. ولقد جاء في حديث رواه الترمذي عن أنس أن قراءة هذه السورة تعدل نصف القرآن وفي حديث آخر عنه أنها تعدل بربع القرآن.
وقد يكون التباين من الرواة. وعلى كل حال فقد يكون قصد التذكر بأهوال يوم القيامة والحثّ على الخير واجتناب الشرّ من الحكمة المتوخاة في الحديث واللّه تعالى أعلم. (٣)
مقصودها انكشاف الأمور، وظهور المقدور أتم ظهور، وانقسام الناس في الجزاء في دار البقاء إلى سعادة وشقاء، وعلى ذلك دل اسمها بتامل الظرف ومظروفه، وما أفاد من بديع القدر وصروفه ) بسم الله ( المحيط بكل شيء قدؤرة وعلما ) الرحمن ( الذي عم الخلق بنعمته الظاهرة قسما ) الرحيم ( الذي أتم النعمة على خواصه حقيقة واسما، عينا ورسما. (٤)
هذه السورة مدنية في المصحف وفي بعض الروايات؛ ومكية في بعض الروايات الأخرى. ونحن نرجح الروايات التي تقول بأنها مكية. وأسلوبها التعبيري وموضوعها يؤيدان هذا.

(١) - صفوة التفاسير ـ للصابونى - (٣ / ٥١٣)
(٢) - التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (٣٠ / ٤٨٩)
(٣) - التفسير الحديث لدروزة- موافق للمطبوع - (٦ / ١١٨)
(٤) - نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (٨ / ٥٠٤)


الصفحة التالية
Icon