وقد أوضح الشارح أن السؤال عن ما إذا كان يجب على ما يقتنيه المسلم من الحمر زكاة- فقال لم ينزل عليّ فيها شيء إلّا هذه الآية الجامعة الفاذة : وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ، حيث ينطوي في الحديث حثّ على عمل الخير ومن ذلك الصدقات مهما قلّت وبأي اسم كان ونهى عن الشرّ مهما تفه فيتساوق التلقين النبوي كذلك مع التلقين القرآني. (١)
تناسب الآيات :
لما ختم تلك بجزاء الصالح والطالح في دار البقاء على ما أسلفوه في مواطن الفناء، ذكر في هذه الأول مبادئ تلك الدار وأوائل غاياتها، وذكر في القارعة ثواني مبادئها وآخر غاياتها، وأبلغ في التحذير بالإخبار بإظهار ما يكون عليه الجزاء، فقال معبراً بأداة التحقق لأن الأمر حتم لا بد من كونه :﴿إذا﴾.
ولما كان المخوف الزلزلة ولو لم يعلم فاعلها، وكان البناء للمفعول يدل على سهولة الفعل ويسره جداً، بنى للمفعول قوله :﴿زلزلت الأرض﴾ أي حركت واضطربت زلزلة البعث بعد النفخة الثانية بحيث يعمها ذلك لا كما كان يتفق قبل ذلك من زلزلة بعضها دون بعض وعلى وجه دون ذلك، وعظم هذا الزلزال وهوّله بإبهامه لتذهب النفس فيه كفل مذهب، فقال كاسراً الزاء لأنه مصدر، ولو فتحها لكان اسماً للحركة، قال البيضاوي : وليس إلا في المضاعف.
﴿زلزالها *﴾ أي تحرها واضطرابها الذي يحق لها في مناسبته لعظمة جرم الأرض وعظمة ذلك اليوم، ولو شرح بما يليق به لطال الشرح، وذلك كما تقول : أكرم التقي إكرامة وأهن الفاسق الشقي إهانة، أي على حسب ما يليق به.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : وردت عقب سورة البرية ليبين بها حصول جزاء الفريقين ومآل الصنفين المذكورين في قوله :﴿إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين﴾ - إلى قوله :﴿أولئك شر البرية﴾ وقوله :﴿إن الذين آمنوا﴾ - إلى آخر السورة.
ولما كان حاصل ذلك افتراقهم على صنفين ولم يقع تعريف بتباين أحوالهم، أعقب ذلك بمآل الصنفين واستيفاء جزاء الفريقين المجمل ذكرهم فقال تعالى :﴿يومئذ يصدر الناس أشتاتاً ليروا أعمالهم﴾ إلى آخر السورة - انتهى.
ولما كان الاضطراب العظيم يكشف عن الخفي في المضطرب قال :﴿وأخرجت﴾ وأظهر ولم يضمر تحقيقاً للعموم فقال :﴿الأرض﴾ أي كلها ﴿أثقالها﴾ أي مما هو مدفون فيها كاأموات والكنوز التي كان أمرها ثقيلاً على الناس، وهو جمع ثقل بالكسر، وذلك حين يكون البعث

(١) - التفسير الحديث - (١ / ٣٦٢٣)


الصفحة التالية
Icon