الصِّدِّيقُ قَاعِدٌ، فَبَكَى حِينَ أُنْزِلَتْ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :" مَا يُبْكِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ ؟ " قَالَ : يُبْكِينِي هَذِهِ السُّورَةُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - ﷺ - :" لَوْلَا أَنَّكُمْ تُخْطِئُونَ وَتُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، لَخَلَقَ اللَّهُ أُمَّةً يُخْطِئُونَ وَيُذْنِبُونَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ " فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ - تُنَبِّئُ عَنْ أَنَّ الْمُؤْمِنَ إِنَّمَا يَرَى عُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَثَوَابَ حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ يَرَى ثَوَابَ حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، وَعُقُوبَةَ سَيِّئَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَنَّ الْكَافِرَ لَا يَنْفَعُهُ فِي الْآخِرَةِ مَا سَلَفَ لَهُ مِنْ إِحْسَانٍ فِي الدُّنْيَا مَعَ كُفْرِهِ (١).
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ :" فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ " قَالَ :" لَيْسَ مُؤْمِنٌ، وَلَا كَافِرٌ عَمِلَ خَيْرًا وَلَا شَرًّا، فِي الدُّنْيَا إِلَّا أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ، وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيُرِيَهُ حَسَنَاتِهِ وَسَيِّئَاتِهِ فَيَغْفِرُ لَهُ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَيُثِيبُهُ بِحَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيُرِيَهُ حَسَنَاتِهِ، وَسَيِّئَاتِهِ فَيَرُدُّ عَلَيْهِ حَسَنَاتَهُ، وَيُعَذِّبُهُ بِسَيِّئَاتِهِ " (٢).
وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، أَنَّهُ قَالَ :" أَمَّا الْمُؤْمِنُ فَيَرَى حَسَنَاتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَيَرَى حَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا " (٣)
وعَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُدْعَانَ، كَانَ يَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيَفُكُّ الْعَانِي، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهُ شَيْئًا ؟ قَالَ :" لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا : رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ " (٤)
وعَنْ عَلْقَمَةَ، أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ يَزِيدَ الْجُعْفِيَّ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمَّنَا هَلَكَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَتْ تَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَفْعَلُ وَتَفْعَلُ، فَهَلْ ذَلِكَ نَافِعُهَا شَيْئًا ؟ قَالَ :" لَا " (٥)
وعَنْ سَلَمَةَ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ، قَالَ : ذَهَبْتُ أَنَا وَأَخِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - ﷺ -، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَمَّنَا كَانَتْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَقْرِي الضَّيْفَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، هَلْ يَنْفَعُهَا عَمَلُهَا ذَلِكَ شَيْئًا ؟ قَالَ :" لَا " (٦)
وعلى هذا يعاقب الكافر بسبب كفره، وأما حسناته فتنفعه في الدنيا، كدفع شر أو ضرر عنه، وأما في الآخرة فلا تفيده، ولا تنجيه من عذاب الكفر الذي يخلد به في النار، قال تعالى : وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ، فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً [الفرقان ٢٥/ ٢٣].

(١) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (٣٥٠٥١ ) حسن
(٢) - الْبَعْثُ وَالنُّشُورُ لِلْبَيْهَقِيِّ (٥٣ ) حسن
(٣) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (٣٥٠٤٧ ) صحيح
(٤) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (٣٥٠٤٤ ) صحيح
(٥) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (٣٥٠٤٥ ) صحيح
(٦) - جَامِعُ الْبَيَانِ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ لِلطَّبَرِيِّ (٣٥٠٤٦ ) صحيح


الصفحة التالية
Icon