ومضات :
قال الإمام : أي : ومن يعمل من الخير أدنى عمل وأصغره، فإنه يراه ويجد جزاءه، لا فرق في ذلك بين المؤمن والكافر. غاية الأمر أن حسنات الكفار الجاحدين لا تصل بهم إلى أن تخلصهم من عذاب الكفر، فهم به خالدون في الشقاء. والآيات التي تنطق بحبوط أعمال الكفار، وأنها لا تنفعهم، معناها هو ما ذكرنا، أي : أن عملاً من أعمالهم لا ينجيهم من عذاب الكفر، وإن خفف عنهم بعض العذاب الذي كان يرتقبهم، على بقية السيئات الأخرى، أما عذاب الكفر نفسه فلا يخفف عنهم منه شيء، كيف لا، والله جل شأنه يقول :﴿ وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ﴾ [ الأنبياء : ٤٧ ].
ثم قال الغزالي : ولا يمحو وسوسة الشيطان من القلب إلا ذِكر سوى ما يوسوس به ؛ لأنه إذا خطر في القلب ذكر شيء انعدم منه ما كان من قبل. ولكن كل شيء سوى الله تعالى وسوى ما يتعلق به، فيجوز أيضاً أن يكون مجالاً للشيطان. وذكر الله تعالى هو الذي يؤمن جانبه ويعلم أنه ليس للشيطان فيه مجال، ولا يعالج الشيء إلا بضده. وضد جميع وساوس الشيطان ذكر الله بالاستعاذة والتبرؤ عن الحَوْل والقوة، وهو معنى قولك : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وذلك لا يقدر عليه إلا المتَّقون الغالب عليهم ذِكْرُ الله تعالى، وإنما الشيطان يطوف عليهم في أوقات الفلتات على سبيل الخلسة. قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ ﴾ [ الأعراف : ٢٠١ ].
ثم قال : فالوسوسة هي هذه الخواطر، والخواطر معلومة ؛ فإذن الوسواس معلوم بالمشاهدة، وكل خاطر فله سبب، ويفتقر إلى اسم يعرّفه، فاسم سببهُ الشيطان، ولا يتصور أن ينفك عنه آدميّ، وإنما يختلفون بعصيانه ومتابعته ؛ فقد اتضح بهذا النوع من الاستبصار معنى الوسوسة والإلهام، والملك والشيطان والتوفيق والخذلان. انتهى. (١)
قوله تعالى :« إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها وَقالَ الْإِنْسانُ ما لَها ؟ » هذا من إرهاصات يوم البعث والنشور، حيث تزلزل الأرض وتضطرب، وهذا الزلزال الذي سيقع لها يوم البعث، هو زلزال خاص بهذا اليوم، ولهذا أضيف إليها فى قوله تعالى « زلزالها » وكأنه هو الزلزال الوحيد الذي تزلزله، « إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ » (١ : الحج). أما ما يحدث من زلزال للأرض فيما قبل هذا الزلزال، فلا حساب له، إذا نظر له من خلال هذا هذا الزلزال العظيم..